للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كانت تلك الغزاة في ربيع الأول: أي من السنة الرابعة. وقيل كانت قبل وقعة أحد، قال: وبه قال البخاري. قال ابن كثير: والصواب إيرادها بعد أحدكما كما ذكر ذلك ابن إسحاق وغيره من أئمة المغازي انتهى.

أمر النبي صلى الله عليه وسلم الناس بالتهيؤ لحرب بني النضير والسير إليهم.

واختلف في سبب ذلك؟ فمن جملة ما قيل: إنه ذهب إليهم ليسألهم كيف الدية فيهم؟ أي لأنه كان بينهم وبين بني عامر قبيلة الرجلين اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري عند رجوعه من بئر معونة غيلة حلف وعقد.

وقيل ذهب إليهم ليستعين بهم في دية الرجلين المذكورين، أي وكان صلى الله عليه وسلم أخذ العهد على اليهود أن يعاونوه في الديات.

وقيل لأخذ دية الرجلين منهم، لأن بني النضير كانوا حلفاء لقوم الرجلين المذكورين وهم بنو عامر، كذا في الأصل فليتأمل. فإن فيه أخذ الدية من حلفاء المقتول وسار إليهم صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه: أي دون العشرة، فيهم أبو بكر وعمر وعلي رضي الله تعالى عنهم، فقالوا له: نعم يا أبا القاسم حتى تطعم وترجع بحاجتك، وكان صلى الله عليه وسلم جالسا إلى جنب جدار من بيوتهم، فخلا بعضهم ببعض وقالوا:

إنكم لن تجدوا الرجل على مثل هذه الحالة، فمن رجل يعلو هذا البيت فيلقي عليه صخرة فيريحنا منه؟ فقال أحد ساداتهم: أنا لذلك أي وهو عمرو بن جحاش، وقال لهم سلام بن مشكم: لا تفعلوا والله ليخبرن بما هممتم به، إنه لنقض للعهد الذي بيننا وبينه، فلما صعد ذلك الرجل ليلقي الصخرة أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من السماء بما أراد القوم، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي مظهرا أنه يقضي حاجته، وترك أصحابه في مجالسهم ورجع مسرعا إلى المدينة ولم يعلم من كان معه من أصحابه، فقاموا في طلبه صلى الله عليه وسلم لما استبطؤوه فلقوا رجلا مقبلا من المدينة فسألوه، فقال: رأيته داخل المدينة، فأقبل أصحابه حتى انتهوا إليه، فأخبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بما أرادت بنو النضير. وقد أشار إلى ذلك الإمام السبكي في تائيته بقوله:

وجاء وحي بالذي أضمرت بنو الن ... ضير وقد هموا بإلقاء صخرة

أي وفي رواية لما رأوا قلة أصحابه صلى الله عليه وسلم قالوا نقتله ونأخذ أصحابه أسارى إلى مكة، فنبيعهم من قريش. أي ولا مانع من وجود الأمرين.

وقيل في السبب في خروجه صلى الله عليه وسلم إليهم أنهم أرسلوا إليه أن أخرج إلينا في ثلاثين من أصحابك، وليخرج منا ثلاثون حبرا فإن صدقوك وآمنوا بك آمنا بك، فلما غدا عليهم في ثلاثين من أصحابه قال بعضهم لبعض: كيف تخلصون إليه ومعه ثلاثون كل يحب أنه يموت قبله، فأرسلوه إليه أن أخرج في ثلاثة من أصحابك

<<  <  ج: ص:  >  >>