للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المدينة خمس أو ست عشرة ليلة: أي وهي بقرب تبوك، بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بها جمعا كثيرا يظلمون من مر بهم، وأنهم يريدون أن يدنوا من المدينة فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس لذلك، فخرج في ألف من المسلمين، أي وذلك في أواخر السنة الرابعة.

وذكر بعضهم أنها كانت في ربيع الأول من السنة الخامسة، ويوافقه قول الحافظ الدمياطي: إنها كانت على رأس تسعة وأربعين شهرا من مهاجرته صلى الله عليه وسلم: أي واستخلف على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري فكان يسير الليل ويكمن النهار، ومعه دليل له من بني عذرة: أي يقال له مذكور رضي الله تعالى عنه. فلما دنا منهم جاء إليهم الخبر فتفرقوا، فهجم على ما شيتهم ورعاتهم، فأصاب من أصاب، وهرب من هرب، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بساحتهم، فلم يلق بها أحدا، وبعث السرايا فرجعت ولم تلق منهم أحدا: أي ورجعت كل سرية بإبل، وأخذ محمد بن مسلمة رجلا منهم وجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم، فقال: هربوا حيث سمعوا أنك أخذت نعمهم، فعرض عليه الإسلام فأسلم، ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة.

وفي رجوعه وادع: أي صالح عيينة بن حصن واسمه حذيفة الفزاري أن يرعى بمحل بينه وبين المدينة ستة وثلاثون ميلا، أي لأن أرضه كانت أجدبت، ولما سمن حافره وخفه، وانتقل إلى أرضه غزا على لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغابة كما سيأتي، وقيل له بئس ما جزيت به محمدا صلى الله عليه وسلم، أحلك أرضه حتى سمن حافرك وخفك، وتفعل معه ذلك، فقال: هو حافري، وقيل له عيينة لأنه أصابته لقوة فجحظت عيناه وسمي عيينة، وعيينة هذا أسلم بعد الفتح وشهد حنينا والطائف، وكان من المؤلفة كما سيأتي، وكان يقال له الأحمق المطاع، كان يتبعه عشرة آلاف فتى.

ودخل على النبي صلى الله عليه وسلم بغير إذن وأساء الأدب، فصبر النبي صلى الله عليه وسلم على جفوته، وقال فيه صلى الله عليه وسلم «إن شر الناس من تركه الناس اتقاء فحشه» وقيل إن ذلك إنما قيل في مخرمة بن نوفل: أي ولا مانع من تعدد ذلك، وقد ارتد عيينة بعد ذلك في زمن الصديق رضي الله عنه: فإنه لحق بطليحة بن خويلد حين تنبأ وآمن به. فلما هرب طليحة أسره خالد بن الوليد رضي الله عنه وأرسل به إلى الصديق في وثاق فلما دخل المدينة صار أولاد المدينة ينخسونه بالحديد ويضربونه، ويقولون: أي عدو الله كفرت بالله بعد إيمانك، فيقول: والله ما كنت آمنت، فمنّ عليه الصديق فأسلم، ولم يزل مظهر للإسلام.

وفي سنة أربع نزلت آية الحجاب لأزواجه صلى الله عليه وسلم، وكان فيها قصر الصلاة، وولاة الحسين رضي الله عنه. ووقع أنه لما ولد سماه علي كرم الله وجهه حربا، فلما جاء صلى الله عليه وسلم قال «أروني ابني، ما سميتموه؟ قالوا: حربا، قال: بل اسمه حسين» أي كما

<<  <  ج: ص:  >  >>