للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

موضع الخلاف، فذهب مالك والشافعي، وهو المشهور عند أصحاب أحمد، والثوري، والأوزاعي، وإسحاق، ورييعة، ويروي عن ابن عمر، وابن عباس، ذهبوا إلى أن كل من لم يقطع فهو شاك، وإن كان أحد الجانبين راجحا عنده، فجعلوا من غلب على ظنه شاكا، وأمروه أن يقطع ما شك فيه، ويبني على ما استيقن، وقالوا: الأصل عدم ماشك فيه، فرجحوا استصحاب الحال مطلقاً، وإن قامت الشواهد والدلائل على خلافه، ولم يعتبروا التحري بحال.

وذهب الإمام أحمد في إحدى الروايتين عنه إلى أن المنفرد يبني على اليقين، لحديث أبي سعيد. وأما الإمام فيبنى على غالب ظنه، وقد اختار ذلك الخرقي من أصحاب أحمد، والموفق، وقال الموفق: إنما خصصنا الإمام بذلك، لأن له من ينبهه بخلاف المنفرد.

والقول الثالث ذهب إليه أبو حنيفة وأصحابه، وهو قول كثير من السلف والخلف، ومروي عن علي وابن مسعود رضي الله عنهما. وهذا القول هو التحري والاجتهاد. وأن البناء على غالب الظن للإمام وللمنفرد مستند إلى أصح أحاديث الباب، وهو حديث ابن مسعود، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إنما أنا بشر، أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني، وإذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب، فليتم عليه، ثم ليسجد سجدتين " فجعل ما فعله بعد التحري تماما لصلاته، وجعله هنا متما لصلاته ليس شاكا فيها، وما دل على الإثبات من أنواع الأدلة فهو راجح على مجرد استصحاب النفي، وهذا هو الصواب الذي أمر المصلى أن يتحراه، فإن ما دل على أنه جمع أربعة من أنواع الأدلة راجح على استصحاب عدم الصلاة. وهذا حقيقة هذه المسألة. ومثل هذا يقال في عدد الطواف والسعي ورمي الجمار وغير ذلك.

الأحكام المستنبطة من الحديث:

١- جواز السهو من الأنبياء عليهم السلام في أفعالهم البلاغية، إلا أنهم لا يُقَرُّونَ عليه. أما الأقوال البلاغية فالسهو فيها ممتنع على الأنبياء، ونقل في ذلك الإجماع.

٢- الحِكَمُ والأسرار التي تترب على هذا السهو، من بيان التشريع والتخفيف عن الأمة بالعفو عن النسيان منهم.

وبيان أن الأنبياء بشر، يجوز عليهم ما يجوز على غيرهم من السهو في أفعالهم لا أقوالهم البلاغية.

<<  <   >  >>