للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد نفخ صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف. وقال مهنا: رأيت أبا عبد الله يتنحنح في الصلاة.

وهذه الأشياء ليست كلاماً، ولا تنافي الصلاة. ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن هذا المبحث ينقسم إلى ثلاثة أقسام، فهناك الكلمات التي تدل على معنى فيها مثل "يد" و "فم" وغير ذلك. وهناك كلمات تدل على معنى في غيرها مثل "عن" و "من" و "في" وما هو بسبيلها.

وهذان النوعان من الكلام يدلان على معنى بالوضع وقد أجمع أهل العلم على إفساد هذا القسم للصلاة إن لم يكن له عذر شرعي. أما القسم الثاني في الكلام فهو ماله معنى بالطبع كالتأوه والبكاء والأنين والأظهر أنه لا يبطل الصلاة، لأنه ليس كلاما في اللغة التي خاطبنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أما القسم الثالث وهو النحنحة فقد ورد من حديث علي قال: " كنت إذا دخلت عليه وهو يصلى تنحنح لي" ونقل عن الإمام أحمد روايتان فيه، إحداهما الإبطال، واختيار الشيخ تقي الدين عدم الإبطال بحال.

قال شيخ الإسلام في "الاختيارات": والأظهر أن الصلاة تبطل بالقهقهة إذا كان فيها أصوات عالية تنافي الخشوع الواجب في الصلاة.

وفيها من الاستخفاف والتلاعب ما يناقض المقصود من الصلاة. فأبطلت لذلك، لا لكونها كلاماً.

قال ابن المنذر: أجمعوا على أن الضحك يفسد الصلاة.

ما يؤخذ من الحديث:

١- كان الكلام في الصلاة أول الإسلام مباحا بقدر الحاجة إليه.

٢- تحريم الكلام في الصلاة بعد نزول قوله تعالى: {وَقُومُوا لله قَانِتِينَ} . من العامد، وهو الذي يعلم أنه في صلاة، وأن الكلام فيها محرم.

٣- أن الكلام- مع حرمته- مفسد للصلاة، لأن النهي يقتضي الفساد.

٤- أن القنوت المذكور في هذه الآية، مراد به السكوت، كما فهمه الصحابة، وعملوا بمقتضاه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.

٥- أن المعنى الذي حرم من أجله الكلام، هو طلب الإقبال على الله في هذه العبادة، والتلذذ بمناجاته فَليُحْرَصْ على هذا المعنى السامي.

٦- صراحة النسخ في مثل هذا الحديث الذي جمع بين الناسخ والمنسوخ.

<<  <   >  >>