للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الطبري: لم يسقط النبي صلى الله عليه وسلم الحرج إلا وقد أجزأ الفعل، إذ لو لم يجزئ، لأمره بالإعادة لأن الجهل والنسيان لا يضعان عن المكلف الحكم الذي يلزمه في الحج.

كما لو ترك الرمي ونحوه، فإنه لم يأثم بتركه ناسياً أو جاهلاً، ولكن تجب عليه الإعادة.

وما ذهب إليه الإمامان، الشافعي، وأحمد، هو مذهب الجمهور من التابعين والسلف، وفقهاء الحديث لما تقدم من الأدلة وغيرها.

وذهب بعض العلماء: إلى أن رفع الإثم يكون بحال النسيان والجهل، لقول السائل في الحديث: "لم أشعر" فيختص الحكم بهذه الحال ويبقى العامد على أصل وجوب اتباع النبي صلى الله عليه وسلم في الحج لحديث "خذوا عني مناسككم" هذا هو الخلاف المتقدم في الإثم وعدمه.

أما الإجزاء فقد قال الشيخ "ابن قدامة" في كتابه "المغني": "ولا نعلم خلافاً بينهم في أن مخالفة الترتيب لا تخرج هذه الأفعال عن الإجزاء ولا يمنع وقوعها موقعها" ا. هـ.

واختلفوا في وجوب الدم على من قدم المؤخر من هذه المناسك الأربعة.

فذهب الجمهور من السلف، وفقهاء الحديث، ومنهم الإمامان الشافعي وأحمد، وعطاء، وإسحاق: إلى عدم وجوب الدم من العامد وغيره، بناء على جواز الفعل وسقوط الإثم، ولقوله صلى الله عليه وسلم للسائل "لا حرج" فهو ظاهر في رفع الإثم والفدية معاً، لأن اسم الضيق يشملهما.

ووجوب الفدية يحتاج إلى دليل، ولو كان واجباً حينئذ لبينه النبي صلى الله عليه وسلم لأنه وقت الحاجة، وتأخيره عنها لا يجوز.

وذهب بعض العلماء - ومنهم سعيد بن جبير وقتادة - إلى وجوب الدم على العامد بقوله تعالى: {وَلا تَحْلِقُوا رُؤوسَكُم حَتَّى يَبْلُغَ الهَدْيُ مَحِلَّه} .

ولأن النبي صلى الله عليه وسلم رتبها وقال: خذوا عني مناسككم، وهو رواية عن الإمام أحمد.

فقد قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يسأل عن رجل حلق قبل أن يذبح. فقال: إن كان جاهلاً، فليس عليه دم، فأما مع التعمد، فلا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم سأله رجل فقال "لم أشعر".

وقال ابن دقيق العيد - بعد أن نقل كلام الإمام أحمد: وهذا القول في سقوط الدم عن الجاهل والناسي، دون العامد قوي من جهة أن الدليل دل على وجوب اتباع أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم في الحج بقوله: "خذوا عني مناسككم".

<<  <   >  >>