للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اختلاف العلماء:

اختلف العلماء في سبب الجمع بين المغرب والعشاء في "مزدلفة".

فبعضهم يرى أنه لعذر السفر، وهم الشافعية والحنابلة.

وعلى هذا، فلا يباح لمن لا يباح له الجمع، كأهل مكة.

والحنفية والمالكية، يرون أنه لعذر النسك. وهؤلاء يستحبونه لكل أحدٍ سواء كان مسافراً لنسكه أم لا.

والأولى، اتباع السنة، وهو الجمع لكل حاج، سواء أكان لهذا أم لغيره.

على أنه تقدم لنا أن الصحيح أن السفر لا يقدر بمدة ولا مسافة، وإنما هو كل سفر حُمِلَ له الزاد والمزاد فهو سفر.

ولا شك أن الحاج – سواء أكان آفاقيَّاً، أم مكياً - متحمل في حجه ما يتحمله المسافر من المتاعب والمشاق.

واختلفوا في الأذان والإقامة لهاتين الصلاتين.

فذهب بعضهم- ومنهم سفيان - إلى أنهما تصليان جميعاً، بإقامة واحدة.

وذهب بعضهم - ومنهم مالك - إلى أنهما تصليان بأذانين وإقامتين.

وذهب بعضهم- ومنهم إسحاق- إلى أنهما تصليان بإقامتين فقط.

والصحيح ما ذهب إليه الإمامان الشافعي وأحمد وغيرهما، من أنهما تصليان بأذان واحد وإقامتين.

وحجتهم في ذلك ما ذكره جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في حديثه الطويل، الذي وصف به حجة النبي صلى الله عليه وسلم من أولها إلى آخرها لأنه حرص على معرفة أحواله، وتتبع أقواله وأفعاله، فحفظ من هذه الحجة ما لم يحفظ غيره.

أما سبب اختلاف العلماء في الأذان والإقامة، فهو تعدد الروايات.

فقد صح عن ابن عباس "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاتين بالمزدلفة بإقامة واحدة".

وروي عن ابن عمر ثلاث روايات، إحداهن: - أنه جمع بينهما فقط، وهي حديث الباب الذي معنا.

والثانية: - أنه جمع بينهما بإقامة واحدة لهما.

والثالثة: - أنه صلاهما بلا أذان ولا إقامة.

وكلها روايات صحيحة الإسناد، وبعضها في الصحيحين، وبعضها في السنن.

بما أن القضية واحدة فلا يمكن حمل كل رواية على حال، ولا يمكن النسخ ولا الجمع بين الروايات.

فالأحسن الأخذ بما تقدم من رواية جابر الذي نقل حجته صلى الله عليه وسلم بلا اضطراب.

وتُعَدُّ باقي الروايات مضطربة المتون، فتطرح. وهذا رأي "ابن القيم" رحمه الله تعالى.

<<  <   >  >>