للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وذهب الإمام " أحمد " إلى جوازها في كل ماله ثمر مأكول، بل ألحق كثير من أصحابه، ما له ورق أو زهر منتفع به مقصود.

وذهب " مالك " إلى جوازها في كل ما له أصل ثابت، فهي رخصة عنده عامة في كل ذلك.

والحق الذي لأشك فيه أن الحكم شامل لكل ما فيه نفع مقصود من الأشجار، لأن الحديث ورد بالثمر، وهو عام في كل ثمر، ومن خصصه فعليه الدليل، ولأن هذين العقدين من عقود المشاركة التي جاءت على الأصل المقيس، فهي معلومة العمل والجزاء عليه.

وتقدم أن رد النصوص الصحيحة بدعوى مخالفتها للأصول، دعوى باطلة لأن الحديث هو الأصل في الأحكام، فكيف يمكن لأحد يعظم نبيه صلى الله عليه وسلم أن يبيح لنفسه رد كلامه لأصل يدعيه، وهذا عمله وعمل خلفائه من بعده، لم ينسخ ولم يغير حكم الله فيه؟!.

واختلفوا في " المزارعة " فذهب الأئمة الثلاثة، أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، إلى عدم جوازها.

ودليلهم على ذلك. أحاديث رويت عن رافع بن خديج.

منها كنا نخابر (١) علي عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر أن بعض عمومته أتاه، فقال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمر كان لنا نافعاً، وطواعية رسول الله صلى الله عليه وسلم أنفع.

قال: قلنا: ما ذاك؟ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كانت له أرض فليزرعها ولا يكرها بثلث ولا ربع ولا بطعام مسمى] .

وعن ابن عمر قال: [ما كنا نرى بالمزارعة بأسا، حتى سمعنا رافع بن خديج يقول: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها] متفق عليهما.

ولمسلم عن حنظلة بن قيس قال: سألت رافع بن خديج عن كراء الأرض بالذهب والورق فقال: لا بأس به إنما كان الناس يؤجرون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بما على الماذيانات (٢) والجداول وأشياء من الزرع فيهلك هذا ويسلم هذا ولم يكن للناس كراء إلا هذا، ولذلك زجر عنه، فأما شيء معلوم مضمون فلا بأس به.

وكذلك صح عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [من كانت له أرض فليزرعها فإن لم يزرعها فليزُرِعْها أخاه] .


(١) نخابر بمعنى نزارع، فالمخابرة هي المزارعة، مأخوذة من الخبار وهي الأرض اللينة أو من الخبير الزراعي.
(٢) أعجمية معربة بمعنى الأنهار الكبار.

<<  <   >  >>