للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(٢) ملازمة القرافي لشيخه العز بن عبد السلام ربما أكسبته نُفرةً من السلاطين، مع أن القرافي كانت لديه قدرة عجيبة على صنع التماثيل والمراصد الفلكية (١) التي كان السلاطين مولعين بها، ومع ذلك لم يكن له ذِكْرٌ على بلاطهم، ولم يتولَّ لهم شيئاً من مناصبهم.

(٣) كان القرافي يلهج بأشعار، ويتمثل بها كثيراً مما يدل على تأثره بالحالة السائدة في عصره. فهويقول:

وإذا جَلَسْتَ إلى الرِّجِالِ وأشْرَقَتْ في جَوِّ باطِنِكَ العُلومُ الشُّرَّدُ

فاحْذَرْ مُناظرةَ الحَسْودِ فإنَّما تَغْتاظُ أنتَ ويستفيد ويَحْرَدُ (٢)

يمكننا أن نستخلص من هذين البيتين بأن عادة سيئة كانت منتشرة بين العلماء مما حدا بالقرافي أن يقول ما قال.

وكان يُردَّد:

عَتَبْتُ على الدنيا لِتَقْديمِ جَاهِلٍ ... وتأخيرِ ذِيْ عِلْمٍ فقالتْ: خُذِ العُذْرا

بَنُو الجَهْل أبنائي وكلُّ فضيلةٍ فأبناؤها أبناءُ ضَرَّتي الأُخْرى (٣)

فهذان البيتان يدلاَّن على مدى سخط القرافي على تولَّي بعض الحكام سلطة البلاد والحكم بين العباد، وتقديم العلماء غير المؤهَّلين أو الجديرين إلى مناصب الإفتاء والقضاء. والله أعلم.

(٤) ينبغي ألاَّ ننسى أن كثرة التآليف من الإمام القرافي التي نالت إعجاب العلماء، لعله إفرازٌ لما نَعِمتْ به البلاد من أَمْن واستقرار، وتشجيع للعلم وأهله في بعض الحِقَب الزمنية. ولهذا شَهِد بعض علماء عصره بأن القرافي حرَّر أحد عشر عِلْماً في ثمانية أشهر، أو قال: ثمانية علومٍ في أحد عشر شهراً (٤) .


(١) سيأتي الحديث عن هذا ص (٤٥) من القسم الدراسي.
(٢) لم أهتد إلى قائله، لكنه موجود في: الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب لابن فرحون المالكي
ص ١٣٠, ويَحْرَد: يَغْضب ويغتاظ فيتحرَّش بالذي غَاظَه ويَهِمُّ به. المعجم الوسيط مادة " حرد ".
(٣) انظره منسوباً إلى محيي الدين، المعروف بحافي رأسه في: الديباج المذهب ص ١٣٠
(٤) انظر: الديباج المذهب ص ١٢٩

<<  <  ج: ص:  >  >>