للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القتال (١) ،

وهو كثير في الكتاب والسنة (٢) .

الحجة العقلية للشمعونية من اليهود المنكرين للنسخ عقلاً وسمعاً

وأما إنكار بعض اليهود له عقلاً فاحتجُّوا عليه (٣) بأن النهي يعتمد المفاسد (٤) الخالصة أو الراجحة، فلو جاز نسخه بعد ذلك لزم [تجويز أمر الله وإذنه] (٥) في فِعْل المفاسد الخالصة أو الراجحة، وذلك على الله تعالى مُحَالٌ، بناءً على التحسين والتقبيح (٦) ،

وقالوا عبارةً عامّةً: إن الفعل إمَّا أن يكون حسناً أو قبيحاً، فإن كان


(١) مسألة نسخ آيات الموادعة بآية السيف مما اختلف فيها العلماء. ففريق يرى النسخ، وهو مرويٌ عن بعض التابعين وكثيرٍ من المفسرين على اختلافٍ بينهم في بعض الآيات. والفريق الآخر لا يرى النسخ. وقد ضَعَّفَ الزَّرْكَشِي - في البرهان في علوم القرآن (٢ / ١٧٣) - ما لَهَج به كثيرٌ من المفسرين في الآيات الآمرة بالصبر على الأذى بأنها منسوخة بآية السيف، وذكر بأن الصحيح أنها ليست منسوخة، بل أمْر القتال من المُنْسَأ إلى أن يقوى المسلمون، وفي حال الضَّعْف يكون الحكم وجوب الصبر على الأذى. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((فمن كان من المؤمنين بأرضٍ هو فيها مُسْتَضْعَفٌ أو في وقت هو فيه مُسْتَضْعَف فليعملْ بآية الصبر والصَّفْح عَمَّنْ يؤذي الله ورسوله من الذين أوتوا الكتاب والمشركين. وأما أهل القوة فإنما يعملون بآية قتال أئمة الكفر الذين يطعنون في الدين، وبآية قتال الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون)) الصارم المسلول على شاتم الرسول صلى الله عليه وسلم (٢ / ٤١٣) .

والقول بأن جميع الآيات مُحْكَمة ولم يقع النسخ لآيات المُوَادَعة هو ما أختاره؛ لأن النسخ لا يُصَار إليه إلا عند التعارض ولا تعارض كما علمت. ومن رأى النسخ من السلف فيُحْمل على أحد اصطلاحاتهم فيه كتخصيصِ عامٍّ أو تقييد مُطْلقٍ أو بيان مُجْمَلٍ، لا النسخ بمعنى الرفع والإزالة. والله أعلم. انظر هذه المسألة بتوسع في: النسخ في القرآن الكريم د. مصطفى زيد ٢ / ٥٠٣ - ٥٨٣، أهمية الجهاد في نشر الدعوة د. علي العلياني ص ١٤٨ وما بعدها.
(٢) أي: وقوع النسخ كثير في الكتاب والسنة، وسترد أمثلته في الفصول التالية.
(٣) ساقطة من س.
(٤) في ن: ((الفساد)) وهي غير مستقيمة بدلالة ما بعدها.
(٥) ما بين المعقوفين في ق هكذا: ((أذنه تعالى)) .
(٦) مسألة التحسين والتقبيح سبق أن بحثها المصنف في الفصل السابع عشر من الباب الأول ص (٨٨) من المطبوع فقرَّر بأن مذهب المعتزلة في التحسين والتقبيح أنهما عقليان ويُرَتِّبُون على ذلك الذمَّ والمَدْح، أو العقاب والثواب الشرعيين، وهذا باطل. ومذهب الأشاعرة - ومنهم المصنف - أن العقل لا مَدْخل له في إثبات الثواب والعقاب الشرعيين، وهذا حقٌّ. ولكنَّهم غَلَوا حتى أبطلوا أن الأفعال لها صفات ذاتية من القبح والحسن تُدْرك بالعقل. ومذهب أهل السنة والجماعة وَسَطٌ بين الطرفين، فهم يُثْبتون لبعض الأفعال حُسْناً وقُبْحاً بالعقل، ولا يُرَتِّبُون على ذلك استحقاق العقوبة والمثوبة عليها إلا من جهة الشرع. انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ٨ / ٤٢٨ - ٤٣٦، مفتاح دار السعادة لابن القيم

٢ / ٤٠٢، وما بعدها. وانظر مذهب الأشاعرة في: الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد للجويني ص ٢٢٨، وانظر مذهب المعتزلة في: المحيط بالتكليف للقاضي عبد الجبار ص٢٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>