للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولأن الله تعالى نهاهم عن المنكر بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} (١) ، {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى} (٢) ، {وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ} (٣) ، وغير ذلك من النصوص، ولولا أنهم قابلون للمعاصي لما صح نهيهم عن هذه المناكير (٤) (٥) .

والجواب عن الأول: أن اتفاقهم في زمن الصحابة ممكن، ولا يكاد يوجد إجماعٌ اليومَ إلا وهو واقع في عصر الصحابة (٦) رضي الله عنهم، واجتماعهم (٧) حينئذٍ ممكنٌ لعدم انتشار الإسلام في أقطار الأرض. ولأن (٨) مقصودنا أنه حجة إذا وقع، ولم نتعرض للوقوع، فإن لم يقع فلا كلام، وإن وقع كان حجة، هذا هو المقصود (٩) . وعن الثاني: أن الصيغ


(١) النساء، من الآية: ٢٩.
(٢) الإسراء، من الآية: ٣٢.
(٣) الأنعام، من الآية: ١٥١، والإسراء، من الآية: ٣٣.
(٤) في ن: ((المناكر)) وهو صحيح أيضاً، انظر مادة " نكر " في: لسان العرب، العين للخليل بن أحمد، وانظر: شذا العَرْف في فن الصَّرْف للحملاوي ص ١٤٤.
(٥) هذا الدليل الثاني لمنكري الإجماع. وتتمة حجتهم: فذلك يدل على عدم عصمة المؤمنين، فلا يكون الإجماع حجة. انظر: إحكام الفصول ص٤٣٧، رفع النقاب القسم ٢/٤٨٢.
(٦) قال المصنف في نفائس الأصول (٦/٢٥٥٢) : ((أكثر الإجماعات - بل الكلُّ إلا اليسير منها جداً ـ إجماع الصحابة رضوان الله عليهم، وكانت الصحابة محصورين، يُعلم أحوالهم وعددهم قبل انتشارهم في أقطار الأرض. وتطرُّق الشك إلى اليسير من الإجماعات لا يبطل هذه المسألة، ولا يقدح فيها، بل في تلك المسائل الفروعية التي يُدَّعَى الإجماع فيها)) .
(٧) في ق: ((وإجماعهم)) .
(٨) ساقطة من ن.
(٩) هناك جوابٌ أقرب، ذكره المصنف في نفائس الأصول (٦/٢٥٥٠) مفاده: أن العادة قضت بتعذر اتفاق الجمع العظيم على شهوة الطعام الواحد، والميل إلى الكلمة الواحدة في الزمن الواحد، لأن هذه الأمور مبناها على الدواعي البشرية التي جُبلوا عليها، ودواعي البشر في الشهوة والنُّفْرة مختلفة جداً بل الشخص الواحد يخالف نفسه في ساعةٍ أخرى. أما اجتماع أهل الاجتهاد على حكم واحد فممكنٌ عادةً لوجود الداعي إليه من نصٍّ قاطعٍ أو ظنٍّ غالبٍ، كما لو رأى الجمعُ العظيمُ الغيمَ الرَّطِب في بلاد الأمطار والثلوج لاشتركوا جميعاً في ظن هطول المطر، وكذلك الرجل العدل الأمين يشترك كل من عرف حاله في ظن صِدْقِهِ وإن كانوا آلافاً، فظهر بهذا الفرقُ. وانظر: التوضيح لحلولو ص٢٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>