للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشرح

قال سيف الدين الآمدي (١) :

لا يجوز القياس في اللغات، وقال بعضهم (٢) : جميع اللغات اليوم ثابتة بالقياس؛ لأن العرب إنما وَضعتْ أسماء الأجناس للأعيان التي شاهدوها، فإذا هلكتْ تلك الأعيان وجاءت أعيان أُخْر (٣) فإنما يطلق عليها الاسم بالقياس، فلفظ (٤) الفرس وغيره من الحيوانات اليوم إنما يطلق بالقياس.

وهذا غلط، فإن (٥) العرب إنما وضعتْ لما تصورتهُ بعقولها، لا لما شاهدته بأبصارها، والمتصوَّر بالعقل موجود في الأشخاص الماضية والحاضرة على حدٍّ واحدٍ، فمفهوم الفرسِ المعقولُ هو الموضوع له، ويصير معنى ذلك: أن الواضع قال: كلُّ ما تنطبق عليه هذه الصورة الذهنية هو المسمَّى بالفرس عندي، وكذلك بقية أسماء الأجناس. ولم توضع لما في الخارج من المُشَاهد بالبصر إلا أعلامُ الأشخاص (٦) دون أعلام الأجناس (٧) ، فهذا ذكره الشيخ أبو إسحاق في " اللمع " (٨) ، وعَليه ما ترى.


(١) تحرير محل النزاع: محل النزاع إنما هو في الأسماء الموضوعة للمعاني المخصوصة الدائرة مع الأوصاف وجوداً وعدماً، وهي التي تسمَّى بأسماء الأجناس كالخمر مثلاً. أما أسماء الأعلام المشخصة بالذات، وأسماء الصفات، والأحكام النحوية فلا خلاف في عدم القياس عليها؛ لأن الأُولى: لا يمكن القياس فيها، والثانية: مطَّردة بوضع اللغة كالعالِم والكريم ونحوهما، والثالثة: مبنيَّة على الاستقراء والتتبّع. انظر: المنخول ص ٧١، الإحكام للآمدي ١ / ٥٧، البحر المحيط للزركشي ٢ / ٢٥٨، تشنيف المسامع
١ / ٣٩٧، التوضيح لحلولو ص ٣٦٦، نبراس العقول ص ١٩٧ وبحثه في هذه المسألة قيّم وبديع. أما ثمرة الخلاف فقد أشار إليها حلولو في التوضيح ص ٣٦٦، والشيخ الشنقيطي في نثر الورود ١ / ١٢٣.
(
) انظر: الإحكام ١ / ٥٧.
(٢) يريد به أبا إسحاق الشيرازي في اللُّمع ص (٤٤) كما سيصرِّح به بعد قليل.
(٣) في ق: ((أخرى)) .
(٤) في س: ((كلفظ)) .
(٥) في ق: ((لأن)) .
(٦) عَلَم الشخص: هو ما وضع لشيءٍ بعينه بقيد التشخيص الخارجي، كزيدٍ وعمرو. انظر: شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص ٣٣، البحر المحيط للزركشي ٢ / ٢٩٦، شرح الحدود النحوية للفاكهي ص ١١٢.
(٧) عَلَم الجنس: هو ما وضع لشيءٍ بعينه ذهناً. أو هو لفظ موضوع لكلِّيٍّ بقيد تشخصه في الذهن، كأسامة علم جنس يصدق على كل أسدٍ في العالم، وله صورة مشخصة في الذهن. انظر: شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص ٣٣، شرح الحدود النحوية للفاكهي ص ١١٧، التعريفات ص ٢٠٢.
(٨) انظره فيه ص ٤٤، وانظر كتابه: شرح اللمع ١ / ١٨٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>