للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المائة وترك ما عداها، ثم قال: والذي بعثك بالحق لا أرزأ «١» أحدا بعدك شيئا حتى أفارق الدنيا، فكان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما يعرضان عليه العطاء فلا يأخذه.

وأعطى عيينة بن حصن، والأقرع بن حابس مائة، وسهيل بن عمرو، والحارث بن كلدة وغيرهم، وأعطى غير هؤلاء دون المائة كالعباس بن مرداس، فأنشأ يقول:

أتجعل نهبي ونهب العبيد «٢» ... بين عيينة والأقرع

فما كان حصن ولا حابس ... يفوقان مرداس في مجمع

وما كنت دون امرىء منهما ... ومن تضع اليوم لا يرفع

فقال النبي: «اقطعوا عني لسانه» فأكملوا له المائة.

وأعطى صفوان بن أمية- وكان لا يزال مشركا- عطاء كثيرا حتى قال:

ما طابت بهذا نفس أحد، وكان يقول ما زال رسول الله يعطيني من غنائم حنين وهو أبغض الخلق إلي، حتى ما خلق الله شيئا أحب إليّ منه، وكان من البواعث على إسلامه.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أن بعض النفوس عبيد الإحسان فتألّفهم بذلك، وهو ضرب من ضروب السياسة الشرعية الحكيمة، ولهذا جعل الشارع الحكيم للمؤلفة قلوبهم سهما في الزكاة، ونعمّا فعل الرسول، فإن كثيرين ممن لم يسلموا قد أسلموا، وكثيرين ممن أسلموا ولم تشرب قلوبهم حب الإيمان قد صاروا بعد من أجلّاء المسلمين، وأعظمهم نفعا للإسلام.

ثم قسم رسول الله الغنائم بين سائر المجاهدين فأصاب الراجل أربعة من الإبل وأربعون شاة، وأصاب الفارس ثلاثة أمثال ذلك.


(١) لا أرزأ: لا أنقص، يعني لن اخذ من أحد شيئا.
(٢) النهب: النصيب، والعبيد بضم العين على صيغة المصغر: فرسه.

<<  <  ج: ص:  >  >>