للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النبي: «والله لو شئتم لقلتم فصدقتم وصدّقتم: جئتنا طريدا فاويناك، وعائلا فاسيناك، وخائفا فأمناك، ومخذولا فنصرناك» فقالوا: المنّ لله ولرسوله.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أوجدتم في نفوسكم يا معشر الأنصار في لعاعة- شيء يسير- من الدنيا تألّفت بها قوما أسلموا، ووكلتكم إلى ما قسم الله لكم من الإسلام؟! أفلا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس إلى رحالهم بالشاء والبعير، وتذهبون برسول الله إلى رحالكم، فو الذي نفسي بيده لو أن الناس سلكوا شعبا، وسلكت الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار، ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار» «١» .

فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم، وقالوا: رضينا بالله ربا وبرسوله قسما، ثم انصرفوا.

فهل سمعت في باب الاسترضاء أروع من هذه الخطبة البليغة الجامعة بين الحق والصراحة، والرقة والاستعطاف؟ وهل سمعت في تهدئة النفوس العاتية أو الثائرة مثل هذه الكلمات الرقاق التي تضرب على أوتار القلوب، وتهز المشاعر، وتستولي على الوجدان؟ ومن أعجب العجب أنك لا تجد فيها كلمة مداهنة أو مخادعة، أو كلمة مزوّقة دعت إليها المجاملة، أو عدة بالوعود الكاذبة، والأماني البراقة، كما يفعل دهاقين السياسة، وقواد الحروب، وزعماء الإصلاح ولا سيما في العصر الحديث، ولكنها النبوة التي تسمو عن كل هذا، وتأبى إلا الإذعان للحق والإقرار بالفضل لذويه.

[عمرة الجعرانة]

واعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بعد قسمة الغنائم من الجعرانة في أواخر ذي القعدة هذا العام، ودخل مكة بليل، فطاف وسعى ثم تحلل من عمرته، ثم


(١) صحيح البخاري- كتاب المغازي- باب غزوة الطائف، وصحيح مسلم- كتاب الزكاة- باب إعطاء المؤلفة قلوبهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>