للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[نبع عين زمزم]

فلما نفد الماء صار إسماعيل يتمرغ ويتلوى من شدة العطش، فلم تطق أن تراه هكذا، وخرجت تسعى نحو الصفا، فصعدت عليه علّها تجد ماء، ثم نزلت مهرولة إلى المروة، ووقفت تنظر حواليها عسى أن تجد ماء، فلم تجد، ثم عادت إلى الصفا، وهكذا صارت تسعى بين الصفا والمروة حتى أكملت سبعة أشواط، فكان هذا أصلا لفريضة السعي بينهما، ثم نزلت وهي هلعة جزعة أن لم تجد ماء، فسمعت من يناديها ويقول: جاءك الغواث، فصارت ترهف سمعها إلى الصوت وتتسمع، حتى نزل جبريل- عليه السلام- وهو في صورة طائر، فضرب الأرض بجناحه، وقيل بعقبه، فنبعت عين زمزم، فصارت تحوط عليها التراب من شدة الفرح، وتقول لها: زمي، زمي فشربت وشرب إسماعيل حتى رويا، ولم تخف العطش والضّيعة بعدها، وسمعت من يقول لها لا تخافي الضّيعة، فإن ههنا بيتا لله يبنيه هذا الغلام وأبوه، وإن الله لا يضيع أهله!!

[حصول الأنس بجرهم ونشأة مكة]

ثم مرت بهاجر وابنها رفقة «١» من قبيلة جرهم إحدى القبائل التي نزحت من اليمن، فنزلوا في أسفل المكان الذي بنيت فيه مكة، فرأوا طيرا يحوم «٢» حول مكان قريب منهم، فقالوا: إن هذا الطائر ليدور على ماء، إن عهدنا بهذا الوادي ليس فيه ماء «٣» ، فأرسلوا رسولا منهم، فإذا هو بالماء، فأخبرهم به، فأقبلوا نحوه وكانت أم إسماعيل عند الماء، فقالوا لها: أتأذنين لنا أن ننزل عندك؟ قالت نعم، ولكن لا حق «٤» لكم في الماء عندنا، قالوا: نعم، وقد سرت هاجر، فقد وجدت من يؤنسها، ويزيل وحشتها، فنزلوا، وأرسلوا إلى أهليهم، فنزلوا، وابتنوا بيوتا حتى صارت من ذلك أبيات عدة.


(١) جماعة.
(٢) يدور.
(٣) هذا يدل على أن مكة لم تكن وجدت بعد.
(٤) لا ملك لكم فيه، أما الشرب فنعم.

<<  <  ج: ص:  >  >>