للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي اليوم السابع عقّ عنه بكبش، وحلق رأسه أبو هند، وتصدّق بوزن شعره ورقا «١» على المساكين، ثم دفعه رسول الله إلى أم سيف امرأة قين بالمدينة يقال له: أبو يوسف لترضعه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم ينطلق إلى بيت مارية كل يوم فيأخذه ويقبله، وتنافست نساء الأنصار في إرضاعه، فكان النبي يجاملهن ولا يرد لهنّ طلبا، كما كان يغدق على من ترضعه الكثير من خيره وبره، وأرصد لذلك قطعة من الغنم واللقاح فتروح كل ليلة على بيت من ترضعه فتشرب من لبنها وتسقي رضّعها حتى لقد أثار ذلك مكامن الغيرة في نفوس أزواجه.

ورسول الله بشر وإنسان، والأولاد ولا سيما البنين الصالحين ذكر باق بعد الموت، وحياة موصولة لحياة الاباء، فليس ببدع أن يهفو قلبه إلى إبراهيم، وأن يحل إبراهيم من نفس النبي هذه المنزلة، وأن يرى فيه العزاء والسلوى وهو في سن الستين عن فقد الأحبة قبل البعثة وبعدها، وأن يملأ إبراهيم جانبا من جوانب القلب الإنساني الكبير.

[سرية بني المصطلق]

وبعث الرسول صلى الله عليه وسلم الوليد بن عقبة بن أبي معيط لأخذ صدقات بني المصطلق، فلما علموا بقدومه خرج منهم عشرون رجلا متقلدين السلاح تحية أثناء قدومه، ومعهم إبل الصدقة فلما راهم الوليد هابهم وظن أنهم يريدون حربه لما كان بينه وبينهم من عداوة في الجاهلية، فرجع مسرعا إلى المدينة وأخبر الرسول بما ظن، فأرسل الرسول صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد في سريّة لتعرّف حقيقة أمرهم، فسار إليهم حتى ديارهم، وكمن بالقرب منهم ليلا، فإذا بمؤذنهم يؤذن للصلوات، فأتاهم خالد فلم ير منهم إلا الطاعة، فأخذ الصدقات وعاد إلى المدينة وأخبر الرسول بخبرهم.

وفي هذه الواقعة أنزل الله هذا التأديب الإلهي في قوله تعالى:


(١) الورق بكسر الراء: الفضة.

<<  <  ج: ص:  >  >>