للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان إسماعيل لا يزال غلاما، فلما شب وكبر اختلط بهم، وتعلم منهم العربية حتى صارت له لسانا، فكان أبا للعرب المستعربة.

روى أبو عبيدة قال: حدثنا مسمع بن عبد الملك عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسن عن ابائه قال: أول من فتق لسانه بالعربية المبينة إسماعيل، وهو ابن أربع عشرة سنة «١» ، وتعلم منهم الرمي والقنص، ولما كبر إسماعيل أعجبهم، فوجدوا فيه من الخصال والفضائل ما حببهم فيه، فزوّجوه منهم.

[قصة الذبيح]

وكان الخليل- عليه السلام- يتعهد إسماعيل وأمه هاجر بين الحين والحين، ويزورهما كلما حن الشوق إليهما، وكان الغلام إسماعيل قد شب عن الطوق، وصار يسعى في مصالحه، وأهلا لمعاونة أبيه، وفي زورة من الزورات رأى الخليل في منامه من يأمره بذبح ولده ووحيده، ورؤيا الأنبياء وحي- كما في الحديث الشريف- فلم يشك الخليل في صدق الرؤيا، ولكن الأمر يتعلق بابنه، وفلذة كبده، فكان لا بد أن يتروّى في الأمر، فرأى مثل ذلك في الليلة الثانية، وقيل: إن ذلك كانت ليلة اليوم الثامن من ذي الحجة فسمي يوم التروية «٢» ثم تريث أيضا فرأى مثل ذلك في الليلة الثالثة وقيل إن ذلك كان ليلة التاسع فسمي: يوم عرفة «٣» ، فلم يكن بدّ- بعد ثلاث- من امتثال أمر الله والصبر على البلاء، ولكنه رأى أن يعرض الأمر على ولده؛ ليكون أطيب لقلبه، وأهون عليه من أن يأخذه قسرا، أو يبغته فجأة، فعرضه عليه، فكان- كما وصفه الله- حليما، وجديرا بأن يكون رسولا نبيا، فقال:

يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (١٠٢) «٤» .


(١) البيان والتبيين ج ٣، ص ٢١ والمراد من ولد إبراهيم- عليه السلام-.
(٢) وقيل لأن الحجاج كانوا يحملون معهم فيها الماء قبل الخروج لأداء المناسك.
(٣) وقيل غير ذلك وإنه سمي يوم عرفة لأن ادم وحواء تعارفا فيه في الأرض بعد أن نزلا من الجنة.
(٤) الاية ١٠٢ من سورة الصافات.

<<  <  ج: ص:  >  >>