للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلم يزل بي حتى أسرعوا وتفارط الغزو، وهممت أن أرتحل فأدركهم- وليتني فعلت- فلم يقدّر لي ذلك.

فكنت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفت فيهم أحزنني أني لا أرى إلا رجلا مغموصا «١» عليه النفاق، أو رجلا ممن عذر الله من الضعفاء.

ولم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك فقال: «ما فعل كعب» ؟ فقال رجل من بني سلمة: يا رسول الله حبسه برداه ونظره في عطفيه «٢» ، فقال معاذ بن جبل: بئس ما قلت، والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيرا.

قال كعب: فلما قيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أظل قادما زاح عني الباطل، وعرفت أني لن أخرج منه أبدا بشيء فيه كذب، فأجمعت صدقه، فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم قادما، فكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين، ثم جلس للناس، فلما فعل جاء المخلفون فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له، وكانوا بضعة وثمانين رجلا، فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيتهم، وبايعهم واستغفر لهم، ووكل سرائرهم إلى الله عز وجل.

فجئته، فلما سلّمت عليه تبسم تبسم المغضب، ثم قال: «تعال» فجئت أمشي حتى جلست بين يديه فقال لي: «ما خلّفك، ألم تكن قد ابتعت ظهرا» ؟

فقلت: بلى- والله- لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني ليوشكنّ الله أن يسخطك علي، ولئن حدثتك حديثا تجد علي فيه إني لأرجو فيه عفو الله، لا والله ما كان لي من عذر، والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلّفت عنك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما هذا فقد صدق، فقم حتى يقضي الله فيك» .

ثم قلت: هل لقي هذا أحد؟ قالوا: نعم رجلان قالا مثل ما قلت، وقيل لهما مثل ما قيل لك، فقلت من هما؟ قالوا: مرارة بن الربيع العمري، وهلال بن أمية الواقفي.


(١) أي مطعونا عليه.
(٢) العطف: الجانب والمراد إعجابه بنفسه.

<<  <  ج: ص:  >  >>