للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو يجود بنفسه فقال له: «قد نهيتك عن حب يهود» فقال: يا رسول الله إنما أرسلت إليك لتستغفر لي، ولم أرسل إليك لتوبخني، ثم سأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه فأجابه، قال الحافظ ابن حجر: وهذا مرسل مع ثقة رجاله.

وكان قد عهد ابن أبيّ إلى ابنه بذلك «١» ، فلما توفي جاء ابنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه أباه فأعطاه، ثم سأله أن يصلي عليه فقام رسول الله ليصلي عليه، فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أتصلّي عليه وقد نهاك «٢» ربك أن تصلي عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما خيّرني الله فقال: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ، وسأزيده على السبعين، قال: إنه منافق، فصلّى رسول الله عليه فأنزل الله: وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً، وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ الاية «٣» .

وفي رواية أخرى له عن عمر نفسه أن النبي لما قام ليصلي عليه قام عمر فقال: يا رسول الله أتصلّي عليه وقد قال كذا وكذا يعدد مساوئه، فتبسم الرسول وقال: «أخّر عني يا عمر» فلما أكثرت عليه قال: «إني خيّرت فاخترت، لو أعلم أني لو زدت على السبعين يغفر له لزدت عليها» ثم صلّى عليه فلم يلبث إلا قليلا حتى نزلت الاية «٤» .

وإنما صلّى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم إجراء له على حكم الظاهر وهو الإسلام، ولما فيه من إكرام ولده عبد الله- وكان من خيار الصحابة وفضلائهم- وهو الذي عرض على النبي أن يقتل أباه لما قال مقالته يوم غزوة بني المصطلق كما ذكرنا، ولما فيه من مصلحة شرعية، وهو استئلاف قومه ومتابعيه، فقد كان يدين له بالولاء فئة كبيرة من المنافقين، فعسى أن يرعووا عن نفاقهم ويعتبروا ويخلصوا


(١) فتح الباري، ج ٨ ص ٢٦٨.
(٢) ليس في القران نهي عن الصلاة على المنافقين قبل نزول اية وَلا تُصَلِّ. والظاهر أن عمر فهم ذلك من قوله سبحانه: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ الاية. أو من قوله تعالى: ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ الاية.
(٣) رواه البخاري عن ابن عمر.
(٤) صحيح البخاري- سورة التوبة- باب ولا تصل ... الخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>