للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النبي صلى الله عليه وسلم، فدخلوا المسجد عليهم ثياب الحبرة، وأردية مكفوفة بالحرير، وفي أيديهم خواتيم الذهب، فقاموا يصلّون في المسجد نحو المشرق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دعوهم» ثم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فأعرض عنهم ولم يكلمهم، فقال لهم عثمان: من أجل زيّكم هذا، فانصرفوا يومهم هذا، ثم غدوا عليه بزي الرهبان فسلّموا عليه، فردّ عليهم ودعاهم إلى الإسلام، فأبوا وقالوا: كنا مسلمين قبلكم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يمنعكم من الإسلام ثلاث: عبادتكم الصليب، وأكلكم لحم الخنزير، وزعمكم أن لله ولدا» .

وكثر الجدال والحجاج بينه وبينهم، والنبي يتلو عليهم القران ويقرع باطلهم بالحجة، وكان مما قالوه لرسول الله: ما لك تشتم صاحبنا وتقول إنه عبد الله، فقال: «أجل، إنه عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول» فغضبوا، وقالوا: هل رأيت إنسانا قط من غير أب فإن كنت صادقا فأرنا مثله؟ فأنزل الله في الرد عليهم قوله سبحانه: إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ: كُنْ فَيَكُونُ. الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ «١» فكانت حجة دامغة شبه فيها الغريب بما هو أغرب منه.

فلما لم تجد معهم المجادلة بالحكمة والموعظة الحسنة دعاهم إلى المباهلة «٢» امتثالا لقول الله عزّ شأنه: فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ:

تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ، وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ «٣» .

وخرج النبي ومعه علي، والحسن، والحسين، وفاطمة وقال: «وإذا أنا دعوت فأمّنوا» فائتمروا فيما بينهم، فخافوا الهلاك لعلمهم أنه نبي حقا، وأنه


(١) سورة ال عمران: الايتان ٥٩- ٦٠.
(٢) الدعاء باللعنة، ثم شاعت في مطلق الدعاء؛ والمباهلة مشروعة حيث يتعذر عن طريق الجدال والمناظرة الوصول إلى الحق، ويأبى الخصم- كما هنا- الخضوع للحجة والبرهان. فلم يبق إلا اللجوء إلى استنزال غضب الله ولعنته وهلاكه على القوم الكاذبين.
(٣) سورة ال عمران: الاية ٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>