للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[صحوة الموت]

وفي صبيحة الاثنين والصدّيق أبو بكر يصلّي بالناس الفجر كشف النبي ستر الحجرة، فنظر إليهم وهو قائم على حال حسنة، ثم تبسّم لما رأى من اجتماعهم على رجل واحد، وألفتهم وتاخيهم، فنكص أبو بكر على عقبيه ظنا أن رسول الله يريد أن يخرج للصلاة، وهمّ المسلمون أن يفتتنوا في صلاتهم فرحا برسول الله، فأشار إليهم بيده أن أتموا صلاتكم، ثم دخل الحجرة، وأرخى الستر فكان هذا اخر عهده بالمسلمين.

وفرح الصحابة غاية الفرح، ظنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبلّ من مرضه، وما علموا أنها الصحوة التي تسبق الموت، وانصرف بعضهم إلى عمله، ودخل أبو بكر على ابنته عائشة وقال: ما أرى رسول الله إلا قد أقلع عنه الوجع، وهذا يوم بنت خارجة- إحدى زوجتيه- وكانت تسكن بالسّنح «١» ، فركب على فرسه، وذهب إلى منزله.

[في الرفيق الأعلى]

واشتدت سكرات الموت بالنبي، ودخل عليه أسامة بن زيد وقد صمت فلا يقدر على الكلام، فجعل يرفع يديه إلى السماء ثم يضعهما على أسامة، فعرف أنه يدعو له، وأخذت السيدة عائشة رسول الله وأوسدته إلى صدرها بين سحرها «٢» ونحرها، فدخل عبد الرحمن بن أبي بكر وبيده سواك، فجعل رسول الله ينظر إليه، فقالت عائشة: اخذه لك، فأشار برأسه أن نعم، فأخذته من أخيها ثم مضغته ولينته وناولته إياه، فاستاك به كأحسن ما يكون الاستياك، وكل ذلك وهو لا ينفك عن قوله: «في الرفيق الأعلى» «٣» .


(١) السنح بضم السين: مكان خارج المدينة كان للصديق مال فيه وبيت.
(٢) السحر: الرئة. والنحر: الثغرة التي في أسفل العنق.
(٣) الرفيق الأعلى: هم الذين ذكرهم الله في قوله: فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ. وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً. وقيل هم الملائكة، وقيل هو الله جل جلاله، وهو من أسماء الله الحسنى وصفاته، يعني في كنفه ورحمته.

<<  <  ج: ص:  >  >>