للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان اخر ما تكلم به صلى الله عليه وسلم «لا يبقى بجزيرة العرب دينان» وقوله: «الصلاة وما ملكت أيمانكم» حتى جعل يغرغر بها صدره، وما يفصح بها لسانه.

فلما اشتد الضحى، فاضت أطهر روح في الدنيا من جسدها، وصعدت إلى بارئها راضية مرضية، وخرج أكرم إنسان على الله في هذا الوجود من الدنيا كما جاء إليها، ولم يترك مالا ولا دينارا ولا درهما، ولا ولدا إلا فاطمة رضي الله عنها، وإنما ترك هداية وإيمانا، وشريعة عامة خالدة، وميراثا روحيا عظيما، وأمة هي خير الأمم وأوسطها.

وكان ذلك يوم الاثنين لهلال ربيع الأول، وقيل لليوم الثاني منه، وقيل لليوم الثاني عشر منه من العام الحادي عشر للهجرة. والأول هو الأرجح، ويليه الثاني، وأما الثالث فعليه مأخذ وإن اختاره ابن إسحاق والواقدي وابن سعد «١» .

[هول الفاجعة]

وشاع الخبر في المدينة، فإذا لهم ضجيج بالبكاء كضجيج الحجيج بالإحرام، وأذهل النبأ سيدنا عمر فصار يتوعد وينذر من يزعم أن النبي مات، ويقول: ما مات ولكنه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران، فقد غاب عن قومه أربعين ليلة، ثم رجع إليهم، والله ليرجعنّ رسول الله كما رجع موسى، فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم زعموا أنه مات.

[خطبة الصديق]

وأقبل أبو بكر من السّنح على فرس له لما بلغه الخبر، فوجد عمر يكلم الناس، وينذر ويتوعد، فلم يلتفت إلى شيء حتى دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مسجّى في البيت ببرد حبرة «٢» ، فكشف عن وجهه ثم أكب عليه يقبله، ويقول: (ما أطيبك حيا وميتا) ، وخرج أبو بكر وعمر يتكلم فقال: اجلس


(١) فتح الباري، ج ٨ ص ١٠٦؛ والروض الأنف، ج ٢ ص ٣٧٢.
(٢) نوع من ثياب اليمن.

<<  <  ج: ص:  >  >>