للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النبي المربّي المعلّم

وقد ذكرنا انفا قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لم يبعثني متعنتا، وإنما بعثني معلّما ميسّرا» وقال: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق، ومحاسن الأفعال» «١» . وقد كانت حياته صلى الله عليه وسلم حياة تربية وتعليم، وتأديب وتهذيب، وبحسبنا شاهدا على هذا أنه بعث إلى قوم يعبدون الأصنام، ويسفكون الدماء، ويعتدون على الأعراض والأموال، ويتظلمون، ويتعاملون بالربا، ويشربون الخمر، ويغشون الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ويتفاخرون بالأحساب والأنساب، فلم يزل بهم يربيهم ويتعهداهم حتى صيّر منهم مواحدين أتقياء، وحكماء علماء، وحلماء رحماء، وإخوانا متحابين أصفياء، وكانوا بحق خير أمة أخرجت للناس في عقيدتها وعبادتها، وعلمها وعملها، وأخلاقها وسلوكها.

من كان يظن أن معاقل الوثنية في الجزيرة العربية تصبح منارات للتوحيد الخالص؟ ومن كان يظن أن العرب- وهم أشد الناس اعتزازا وتفاخرا بالأحساب والأنساب- يصبحون أكثر الأمم اعترافا بالمساواة وتطبيقا لها؟ حتى لقد تسنّى لبلال الحبشي العبد الأسود أن يكون أول مؤذن في الإسلام!! وحتى قال عمر بن الخطاب العدوي القرشي في الصدّيق ومولاه بلال: (هو سيدنا، وأعتق سيدنا) «٢» ، وحتى عقل بلال خالد بن الوليد المخزومي القرشي بعمامته، تنفيذا لأمر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، واستسلم خالد له!! فلما أجاب عما


(١) رواه مالك وأحمد.
(٢) رواه البخاري.

<<  <  ج: ص:  >  >>