للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طلبه سيدنا عمر أطلقه وأعاد إليه قلنسوته، ثم عمّمه بيده وقال: (نسمع ونطيع لولاتنا، ونفخم ونخدم موالينا) «١» أي ساداتنا.

بل من كان يظن أن المرأة تخرج من اليمن إلى الكعبة فلا يعرض لها أحد بسوء؟ وأن الخمر التي كانت ممتزجة بلحوم العرب ودمائهم «٢» يتركونها أبدا بعد التحريم؟ وأن الربا الذي كان شائعا بين العرب يقضى عليه هذا القضاء؟!! إنّ هذا سر من أسرار إعجاز الرسالة المحمدية.

لقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم في تربية الأمة وسائل من أهمها القدوة، فقد كان أسوة حسنة في نفسه، وفي أهله وفي بيته، وفي كل تصرفاته، فمن ثمّ أثمرات تربيته أيما إثمار.

وكان رسول الله يربّيهم تارة بالقول، وتارة بالعمل، وتارة بهما معا، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «صلوا كما رأيتموني أصلي» «٣» ، وقال: «خذوا عني مناسككم ... » «٤» ، وقال: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا» وشبّك بين أصابعه تبيينا للقول بالفعل.

ولم تكن هذه التربية قصرا على الرجال، فقد رغب إليه النساء أن يجعل لهن يوما خاصا يعظهن ويعلمهن فيه، ففعل، وقد تخرج في مدرسة النبوة نساء بلغن الغاية في العلم، والعمل، والحكمة.

وكذلك لم تكن قصرا على الكبار، بل استفاد منها ونشأ عليها الصبيان والفتيان والفتيات، وكان في تربيته يتدرج معهم، ويتخولهم بالموعظة والتعليم أياما دون أيام، كراهية السامة منهم والمشقة عليهم، روى ذلك البخاري في الصحيح «٥» .


(١) أشهر مشاهير الإسلام، ج ٢ ص ٤٥١.
(٢) لقد بلغ من حبهم الخمر أن قال قائلهم:
إذا مت فادفني إلى جنب كرمة ... تروي عظامي بعد موتي عروقها
ولا تدفني بالفلاة فإنني ... أخاف إذا مامت ألاأذوقها
(٣) رواه البخاري.
(٤) رواه مسلم.
(٥) صحيح البخاري- كتاب العلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>