للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ الاية «١» .

وقال:

وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً «٢» .

ومع هذا كان دائم العبادة والتهجد، وكان دائم التذكر لله، والتفكر في خلق الله والائه، لا يغيب قلبه عن الله، فإن حصل من ذلك شيء بسبب شواغل الدنيا وهمومها استغفر الله تعالى، وهذا هو المراد بقوله: «إنه ليغان على قلبي، وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة» رواه مسلم، وفي رواية البخاري:

«أكثر من سبعين مرة» .

ومع عبادته وتقواه كان أبعد الناس عن التشدد والمغالاة، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرا فترخّص فيه، فبلغ ذلك ناسا من أصحابه فكأنهم كرهوه، وتنزّهوا عنه فبلغه ذلك، فقام خطيبا فقال: «ما بال رجال بلغهم عني أمر ترخّصت فيه فكرهوه، وتنزّهوا عنه، فو الله لأنا أعلمهم بالله وأشدهم له خشية» «٣» ، وفي حديث اخر له قال: «هلك المتنطعون» قالها ثلاثا، وهم المتشددون في غير موضع التشديد.

وكان دائم الدعاء لله ولا سيما إذا اشتد الكرب، وتأزمت الأمور، وقد قدمنا لك دعاءه في بدر وأحد والأحزاب وغيرها، كما كان دائم الشكر لله، لا يطغيه النصر، ولا تبطره النعمة.

وما كانت تشغله عبادته عن دنياه، ولا دنياه عن عبادته، وهكذا راعى رسول الله الفضيلة والوسطية في العبادة، وكان الأنموذج الكامل للمسلم السمح


(١) سورة المزمل: الاية ٢٠.
(٢) سورة الإسراء: الاية ٧٩.
(٣) رواه مسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>