للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والعبقري: هو الأصيل الرأي، البعيد النظر، الذي لا يفوقه أحد في حل المشكلات، من غير تعمّل، ولا تكلّف، وقد وصف به النبي صلّى الله عليه وسلّم سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه- ففي الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أريت في المنام أني أنزع بدلو بكرة على قليب، فجاء أبو بكر، فنزع ذنوبا أو ذنوبين نزعا ضعيفا «١» ، والله يغفر له، ثم جاء عمر بن الخطاب فاستحالت- أي الدلو- غربا «٢» ، فلم أر عبقريا يفري فريه، حتى روى الناس، وضربوا بعطن» «٣» . ولم أعلم أحدا غير عمر وصفه النبي صلّى الله عليه وسلّم بالعبقري، وهو ما عبّر عنه النبي صلوات الله وسلامه عليه في حديث اخر «بالمحدّث» .

ففي الحديث الصحيح الذي رواه الشيخان البخاري ومسلم في صحيحيهما بسندهما عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «لقد كان فيما قبلكم من الأمم محدّثون، فإن يكن في أمتي أحد فإنه عمر بن الخطاب» والمحدّثون: هم الملهمون في إصابة الحق والصواب، وفي حل المعضلات وابتداع ما لم يسبقوا إليه. قال الإمام الخطابي: «يلقى الشيء في روعه، فكأنه قد حدّث به، يظن فيصيب، ويخطر الشيء بباله فيكون» . وقال أبو أحمد العسكري وغيره: «هو من ألقي في روعه شيء من قبل الملأ الأعلى، فيكون كالذي حدثه غيره» «٤» . ووقع في بعض الروايات تفسير المحدّث بأنه «الملهم بالصواب الذي يلقى على فيه» ، ووقع في


(١) القليب: البئر، الذنوب: الدلو الملأى بالماء، وهو كناية عن قصر مدة خلافته- رضي الله عنه- وقلة الفتوحات لاشتغاله بحروب الردة وتثبيت دعائم الإسلام وبحسبه فضلا هذا.
(٢) الغرب: الدلو الكبير.
(٣) يفري فريه: يعمل عمله، ويقدر الأمور مثله، والعطن: مبارك الإبل حول الابار والمياه، والكلام كناية عن طول خلافته، وكثرة الفتوحات في عهده، وانتفاع الناس بثمرات الفتوح، وتدوينه الدواوين، وتمصيره الأمصار.
(٤) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ج ٧ ص ٣٩، ٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>