للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مثلا فريدا في الأولين والاخرين، وإبائه على من عرض عليه قتل ابن أبيّ رأس النفاق أن يقتله قائلا: «كيف يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه» ، بل وإبائه على ابنه عبد الله أن يقتل أباه قائلا له: «بل نحسن صحبته ما دام بيننا» .

ومن القصص الرائعة في هذا ما روي أن زيد بن سعنة جاءه قبل إسلامه يتقاضاه دينا عليه لم يحن أجل أدائه، فجبذ ثوبه عن منكبه، وأغلظ له في القول ثم قال: إنكم يا بني عبد المطلب مطل «١» فانتهره سيدنا عمر وشدّد له القول، وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يبتسم، ثم قال: «أنا وهو كنا إلى غير هذا منك أحوج يا عمر، تأمرني بحسن القضاء، وتأمره بحسن التقاضي» ، ثم قال: «لقد بقي من أجله ثلاث» ، ثم أمر عمر أن يقضيه ما له ويزيده عشرين صاعا لما روّعه.

وقد أثر هذا الموقف الفريد، وهذا الحلم الفائق في نفس زيد فكان سبب إسلامه، وكان يقول: ما بقي من علامات النبوة شيء إلا وقد عرفتها في محمد إلا اثنتين لم أخبرهما: يسبق حلمه جهله «٢» ، ولا تزيده شدة الجهل إلا حلما، فاختبرته بهذا فوجدته كما وصف!!.

وهذا شيء فوق العدل، لأن العدل أن يقتص منه، وأن يفعل بزيد مثل ما فعل بالرسول الكريم، والعدل- أيضا- أن يقضيه حقه فحسب، لا أن يزيده عشرين صاعا، وليس ترويع الفاروق عمر رضي الله عنه زيدا بأعظم من ترويع زيد النبي صلوات الله وسلامه عليه، على الفرق الشاسع ما بين مقام النبي ومقام زيد، ولكنه النبي الحليم الذي يسبق حلمه غضبه، ولا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلما!!.


(١) مطل: بضم الميم وسكون الطاء: جمع أمطل، والمطل بفتح الميم: التسويف في الدين والعدة.
(٢) يعني غضبه، وحاشاه صلى الله عليه وسلم أن يجهل، فمقابلته السيئة بالسيئة ليس جهلا.

<<  <  ج: ص:  >  >>