للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأنشأ يقول في ذلك شعرا ذكرناه فيما سبق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اقطعوا عني لسانه» فأكملوا له المائة.

وما كان هذا- علم الله- إسرافا، ولكنها سياسة شرعية قصد بها النبي تأليف هؤلاء الذين لم يلبثوا أن صاروا من أخلص الخلصاء للإسلام، وكان لهم في نشره جهاد مشكور، وقد أراد النبي صلوات الله وسلامه عليه أن يبين لهم أن المال أهون شيء عليه، فهو ليس بطالب مال، وإنما طالب إيمان، ومقيم دين، وصانع رجال، وأنه لا أرب له في اكتناز الأموال، ولو كان عنده مال بعدد رمال الصحراء لما بخل به عليهم، لأنه ليس من خلقه الشح، عسى أن يعتبروا، ويستعفوا عن مال المسلمين.

ومن قبل أعطى حكيم بن حزام فاستزاد فأعطاه، فاستزاد ثم قال له:

«يا حكيم إن هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع..) وقد أثر الدرس في نفس حكيم، فالى ألايأخذ من أحد شيئا بعد الرسول حتى توفاه الله، وكان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما يعرضان عليه عطاءه، فيأبى أخذه.

وجاءه عليه الصلاة والسلام رجل فسأله فقال: «ما عندي شيء، ولكن ابتع علي «١» فإذا جاءنا شيء قضيناه» فقال له عمر: ما كلّفك الله ما لا تقدر عليه، فكره النبي ذلك، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أنفق ولا تخف من ذي العرش إقلالا، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «بهذا أمرت» «٢» .

وكذلك كان شأنه صلى الله عليه وسلم قبل النبوة، مما يدل على أن خلق الكرم والسخاء متأصل فيه، ففي حديث عائشة في بدء الوحي أن خديجة رضي الله عنها قالت له: (ما كان الله ليفعل بك، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الدهر) «٣» والأخبار عن جوده أكثر من أن تحصى.


(١) ابتع علي أي اشتر واجعل الثمن دينا علي.
(٢) رواه الترمذي في الشمائل.
(٣) رواه الشيخان.

<<  <  ج: ص:  >  >>