للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقد كانت له شخصية فذة فريدة على ما كان عليه من رقة القلب، ولين الجانب، وسماحة النفس، والحياء الفائق حتى كان أشد حياء من العذراء في خدرها، وعلى ما كان عليه من بغض العجب، والتكبر، والتجبر على الناس، والتنكيل بهم، وهذا مما لا يقضي منه العجب!! ولا يسعنا إلا أن نقول: إنه فضل من الله يؤتيه من يشاء.

لقد كان الصحابة- رضوان الله عليهم- لا يحدّون النظر إليه، ويغضون أبصارهم حياء منه، ورضي الله عن أبي الحسن علي رضي الله عنه حيث قال: (من راه بديهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبه، يقول ناعته: لم أر قبله ولا بعده مثله صلى الله عليه وسلم) .

وقد كان لهذه العظمة الشخصية، وهذه الهالة التي تحيط به، والمهابة التي تعلوه اثارها في ردّ بعض المشركين خاسئا وهو حسير حينما يريد به شرا، بل كان في بعض الأحيان يأمر أعدى أعدائه بالشيء فلا يكون منه إلا الإذعان والخضوع، وكانوا كثيرا ما يتواعدون على النيل منه فيواجههم، فإذا بهم يخورون، وتنهار قواهم، وتضعف معنوياتهم، وكان يأتيه الرجل وبيده السيف، أو تحت ثيابه الخنجر يبغي به شرا فإذا به يضطرب، ويسقط سلاحه من يده، ثم يكون التسليم والإسلام وسأذكر مثلا من ذلك:

١- روى ابن إسحاق في سيرته قال: قدم رجل من إراش «١» بإبل له إلى مكة، فابتاعها- أي اشتراها- منه أبو جهل، فمطله بأثمانها، فأقبل الإراشي حتى وقف على نادي قريش، ورسول الله جالس في ناحية من المسجد، فقال يا معشر قريش من رجل يعديني «٢» على أبي الحكم بن هشام؟ فإني غريب، وابن سبيل، وقد غلبني على حقي.


(١) إراش: بكسر الهمزة، والشين المعجمة: موضع كما قال ياقوت.
(٢) يعديني: ينصرني ويأخذ لي حقي منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>