للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[عثور عبد المطلب على زمزم]

فلما بيّن له شأنها، ودلّ على موضعها، خرج بمعوله، ومعه ابنه الحارث، وليس له ولد غيره يومئذ، فحفر فيها، فلما بدا لعبد المطلب الطي «١» كبّر، فعرفت قريش أنه قد أدرك حاجته، فقاموا إليه، فقالوا: يا عبد المطلب إنها بئر أبينا إسماعيل، وإن لنا فيها لحقا، فأشركنا معك فيها، قال: ما أنا بفاعل!! إن هذا الأمر قد خصصت به دونكم، قالوا: فأنصفنا فإنا غير تاركيك حتى نخاصمك فيها، قال: فاجعلوا بيني وبينكم من شئتم أحاكمكم إليه، قالوا:

كاهنة بني سعد هذيم، قال: نعم وكانت بأشراف الشام، فركب عبد المطلب ومعه نفر من بني عبد مناف، وركب من كل قبيلة من قريش نفر، والأرض إذ ذاك مفاوز، فخرجوا حتى إذا كانوا ببعض الطريق فني ماء عبد المطلب وأصحابه حتى كادت أعناقهم تنقطع من العطش، وضن عليهم بنو قومهم من قريش بالماء، وقالوا: إنا بمفاوز وإنا لنخشى على أنفسنا مثل ما أصابكم، فرأى عبد المطلب أن يحفر كل واحد لنفسه قبره، ففعلوا، ثم قعدوا ينتظرون الموت عطشى.

ثم بدا لعبد المطلب، فقال لأصحابه: والله إن إلقاءنا بأيدينا هكذا للموت لا نضرب في الأرض ولا نبتغي لأنفسنا الماء لعجز، فعسى أن يرزقنا الله ماء ببعض البلاد فارتحلوا، حتى إذا بعث عبد المطلب راحلته انفجرت عين ماء عذب من تحت خفّها، فكبّر عبد المطّلب، وكبّر أصحابه، ثم نزل فشرب وشربوا، وملأوا أسقيتهم، ثم دعا قريشا، فقال: هلمّوا إلى الماء فقد سقانا الله، فجاؤا، وشربوا، واستقوا ثم قالوا: قد- والله- قضي لك علينا يا عبد المطلب، والله لا نخاصمك في زمزم أبدا، إن الذي سقاك الماء بهذه الفلاة


- وهي لا تحرث، ولا تزرع، وقرية النمل لا تحرث، ولا تبذر، وتجلب الحبوب إلى قريتها من كل جانب» ، قال الزرقاني في «شرح المواهب» : «وأطال: يعني الإمام السهيلي في الروض في وجه تأويل هذه الرؤيا بما يحسن كتبه بالعسجد» . (شرح المواهب، ج ١ ص ١١٢) .
(١) الحجارة التي غطي بها البئر.

<<  <  ج: ص:  >  >>