للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على أتان لي، ومعي صبي لنا «١» ، وشارف لنا «٢» ، والله ما تبضّ «٣» بقطرة، وما ننام ليلنا ذلك مع صبينا ذاك، لا يجد في ثديي ما يغذيه «٤» ، ولا في شارفنا ما يغذيه، فقدمنا مكة، فو الله ما علمت منا امرأة إلا وقد عرض عليها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فتأباه إذا قيل إنه يتيم!! وذلك أنا كنا نرجو المعروف من أب الصبي، فكنا نقول: يتيم ما عسى أن تصنع أمه؟ فكلنا نكرهه لذلك.

فو الله ما بقيت من صواحبي امرأة إلا أخذت رضيعا غيري، فلما لم أجد غيره قلت لزوجي «٥» : والله إني لأكره أن أرجع من بين صواحبي ليس معي رضيع، لأنطلقنّ إلى ذلك اليتيم فلاخذنه، قال: لا عليك أن تفعلي عسى أن يجعل الله لنا فيه بركة، قالت: فذهبت إليه فإذا به مدرج في ثوب من صوف أبيض من اللبن، يفوح منه المسك، وتحته حرير أخضر، راقد على قفاه يغط، فأشفقت أن أوقظه من نومه لحسنه وجماله، فدنوت منه رويدا «٦» ، فوضعت يدي على صدره فتبسم ضاحكا، وفتح عينيه لينظر إلي، فخرج من عينيه نور حتى دخل خلال السماء، وأنا أنظر!! فقبلته بين عينيه، وأعطيته ثديي الأيمن، فأقبل عليه بما شاء من لبن «٧» ، فحوّلته إلى الأيسر، فأبى، فكانت تلك حالته بعد «٨» .


(١) هو عبد الله بن الحارث الذي كانت ترضعه.
(٢) ناقة مسنة والشارف يطلق على الذكر والأنثى ولكن المراد هنا الأنثى.
(٣) بفتح التاء وكسر الباء أي تدر.
(٤) عند ابن إسحاق بالدال المهملة، وعند ابن هشام بالذال المعجمة، وهي أتم من الأولى لأن فيها الاقتصار على الغداء دون العشاء.
(٥) هو الحارث بن عبد العزّى بن رفاعة السعدي، يكنى: أبا ذؤيب، أدرك الإسلام، وأسلم، وعدّه من الصحابة صاحب الإصابة، وهو الذي يقال له: أبو كبشة، وهو الذي عنته قريش لما قالوا: إن ابن أبي كبشة يزعم أنه يكلّم من السماء!!
(٦) بتؤدة وتمهل.
(٧) در الثدي لبنا كثيرا.
(٨) هذا من الصفات التي فطره الله عليها من الصغر من القناعة والعدل والبر، فقد ألهمه الله أن له شريكا في اللبن، فأبى أن يتناول نصيبه.

<<  <  ج: ص:  >  >>