للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المدينة ومكة مرضت الأم، وحمّ القضاء، ودفنت بقرية (الأبواء) «١» ، وجلس الابن يذرف الدمع سخينا على فراق أمه، التي كان يجد في كنفها الحب، والحنان، والسلوى، والعزاء عن فقد الأب، وهكذا شاء الله- سبحانه- للنبي صلّى الله عليه وسلّم، ولما يجاوز السادسة، أن يذوق مرارة فقد الأبوين.

وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يذكر أمورا في زورته تلك، فقد نظر إلى دار بني النجار بعد الهجرة قائلا: «هنا نزلت بي أمي، وفي هذه الدار قبر أبي عبد الله، وأحسنت العوم في بئر بني عدي بن النجار» «٢» .

وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم كلما مرّ بقبر أمه زاره، ويبكي، ويبكي من حوله، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: «زار النبي صلّى الله عليه وسلّم قبر أمه، فبكى وأبكى من حوله، ثم قال: «استأذنت ربي في زيارة قبر أمي فأذن لي، واستأذنته في الاستغفار لها فلم يأذن لي، فزوروا القبور تذكركم الموت» «٣» .

وروى الإمام أحمد بسنده عن بريدة قال: «خرجنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى إذا كنا (بودّان) «٤» قال: «مكانكم حتى اتيكم» فانطلق، ثم جاءنا وهو ثقيل، فقال: «إني أتيت قبر أم محمد، فسألت ربي الشفاعة- يعني لها- فمنعنيها، وإني كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها» . وروى البيهقي بسنده عن بريدة قال: انتهى النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى رسم قبر فجلس، وجلس الناس حوله، فجعل يحرك رأسه كالمخاطب، ثم بكى فاستقبله عمر، فقال: ما يبكيك يا رسول الله؟ قال: «هذا قبر امنة بنت وهب، استأذنت ربي في أن أزور قبرها، فأذن لي، واستأذنته الاستغفار لها فأبى علي، وأدركتني رقتها فبكيت» .

قال: فما رئيت ساعة أكثر باكيا من تلك الساعة «٥» .


(١) قرية بين مكة والمدينة.
(٢) شرح المواهب، ج ١ ص ١٦٧، ١٦٨.
(٣) صحيح مسلم بشرح النووي، ج ٧ ص ٤٦.
(٤) مكان قريب من الأبواء.
(٥) البداية والنهاية، ج ٢ ص ٢٠٣، ٢٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>