للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما إن فرغ أبو طالب من بيع تجارته حتى عاد به مسرعا إلى مكة، وقد اشتد حرصه عليه وحبه له، ولم تذكر لنا الروايات أكثر مما سمعت ولم يسمع منه النبي شيئا من علوم أهل الكتاب، ولا قرأ عليه بحيرى شيئا من كتبهم، ولو حدث شيء من هذا لحدّث به أفراد الركب ولا سيما بعد بعثته لما سبّ الهتهم، وسفّه أحلامهم، وعاب دينهم.

حرب الفجار «١»

ولما بلغ النبي صلّى الله عليه وسلّم أربع عشرة سنة شهد حرب الفجار، وكانت بين قريش وغيرها من قبائل كنانة وأحلافها، وبين قيس وأحلافها، وسببها أن النعمان بن المنذر ملك العرب بالحيرة بعث بقافلة له إلى سوق عكاظ، وكان في حاجة إلى من يجيرها له، فجلس يوما وعنده البرّاض بن قيس الكناني، وعروة بن عتبة الرّحّال، فقال: من يجير لي تجارتي حتى تبلغ عكاظ، فقال البرّاض بن قيس: أنا أجيرها على بني كنانة، وكان البرّاض فاتكا خليعا خلعه قومه لكثرة شره، فقال النعمان: أنا أريد من يجيرها على الناس كلهم.

فقال عروة: أبيت اللعن، أكلب خليع يجيرها لك؟ يريد البراض، أنا أجيرها على أهل الشيح والقيصوم «٢» من أهل نجد وتهامة، فقال البرّاض:

أتجيرها على كنانة يا عروة؟ قال: نعم، وعلى الناس كلهم!!

فأحفظ ذلك البرّاض، فتربّص بعروة حتى إذا خرج بالتجارة قتله غدرا وأخذ القافلة، وكانت قريش بعكاظ، فأتاهم ات فأخبرهم بما كان من البرّاض، فارتحلوا وهوازن لا تشعر بهم، فلما بلغ هوازن قتل عروة اتّبعت قريشا فأدركوهم قبل أن يدخلوا الحرم، فاقتتلوا حتى لاذت قريش بالحرم، فتواعدوا العام المقبل بعكاظ، وقد دامت هذه الحرب أربع سنوات حتى ألهم الله سبحانه أحد عقلاء الفريقين فدعا إلى الصلح، فاستجابوا له بعد أن أنهكتهم الحرب على


(١) بكسر الفاء على وزن قتال سميت كذلك لوقوعها في الأشهر الحرم التي حرم الله فيها القتال.
(٢) نبتان من نبات البادية والمراد على أهل البادية كلهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>