للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما بلغني من صدق حديثك، وعظم أمانتك، وكرم أخلاقك، وأنا أعطيك ضعف ما أعطي رجلا من قومك، فذكر ذلك لعمه أبي طالب، فقال له: إن هذا لرزق ساقه الله إليك.

وفي رواية أخرى أن أبا طالب هو الذي عرض على النبي أن يعمل لها في تجارتها، وأنها- ولا شك- ستفضله على غيره، وأن أبا طالب هو الذي سعى إليها، وقال لها: هل لك يا خديجة أن تستأجري محمدا؟ فقد بلغنا أنك استأجرت فلانا ببكرين، ولن نرضى لمحمد إلا بأربعة أبكار، فقالت هذه الكلمة التي تنم عن تقدير صادق، وحس مرهف، وشعور يفيض بالحب والحنان: لو طلبت هذا لبغيض بعيد لأجبتك، فكيف، وقد طلبته لحبيب قريب!!

فرجع الشيخ أبو طالب مغتبطا، وحدّث ابن أخيه بما سمع، ولا تسل عما كان لهذه الكلمات الصادقة من أثر في نفس النبي الشاب.

[الخروج بالتجارة]

ثم خرج النبي بتجارة خديجة إلى الشام وكانت سنّه تخطو إلى الخامسة والعشرين، وكان خروجه لأربع عشرة ليلة من ذي الحجة ومعه غلام خديجة (ميسرة) ، حتى وصل سوق (بصرى) في رواية، وسوق حباشة «١» في رواية أخرى بتهامة، فنزل تحت ظل شجرة في سوق بصرى قريبا من صومعة راهب يسمى (نسطورا) «٢» فقال: يا ميسرة من هذا الذي نزل تحت هذه الشجرة؟

فقال: رجل من قريش من أهل الحرم، فقال الراهب: ما نزل تحت هذه الشجرة- وفي رواية بعد عيسى- إلا نبيّ!!.

ولا تسل عما غمر نفس ميسرة من حب، وتقدير، وإكبار لسيده محمد، لقد رأى تظليل الغمام له في مسيره هذا، ولمس عن كثب الكثير من أخلاقه،


(١) بضم الحاء المهملة، وفتح الباء المواحدة، فألف، فشين معجمة، فتاء تأنيث، قال في الروض الأنف: سوق من أسواق العرب.
(٢) بفتح النون وسكون السين، وضم الطاء وألف مقصورة.

<<  <  ج: ص:  >  >>