للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خلقك، ومن قائل «١» : إنها أرسلت إليه نفيسة بنت منية «٢» ولعل هذا هو الأقرب، وسأدع نفيسة تقص علينا القصة قالت:

كانت خديجة امرأة حازمة جلدة شريفة، مع ما أراد الله بها من الكرامة والخير، وهي يومئذ أوسط قريش نسبا، وأعظمهم شرفا، وأكثرهم مالا، وكلّ قومها كان حريصا على نكاحها لو قدر على ذلك. قد طلبوها، وبذلوا لها الأموال، فأرسلتني دسيسا إلى محمد بعد أن رجع في عيرها من الشام، فقلت:

يا محمد ما يمنعك أن تتزوج؟ فقال: «ما بيدي ما أتزوج به» ، قالت: فإن كفيت ذلك، ودعيت إلى المال، والجمال، والشرف، والكفاءة، ألا تجيب؟ قال: «فمن هي» ؟ قالت: قلت: خديجة، قال: «وكيف لي بذلك؟» ، قالت: قلت: علي، قال: «فأنا أفعل» ، فأعلمت خديجة أهلها، فوجدت منهم قبولا وترحيبا، وحدّدت للنبي وأهله موعدا يحضرون فيه، وذكر النبي ذلك لأعمامه، فخرج معه عمّاه: أبو طالب، وحمزة حتى جاؤوا بيت خديجة، فوجدوا عندها عمها عمرو بن أسد حاضرا، فخطبها منه أبو طالب لابن أخيه محمد، فوافق ورحّب وقال: هذا الفحل لا يقدع أنفه «٣» ، وخطب أبو طالب خطبة الإملاك «٤» ، وهي تنم عن فضائل النبي وخصائصه، وشرفه، وشرف ابائه، وهي قطعة من بليغ الكلام، وفصيح القول.

وهذا الذي ذكرناه من أن الذي ولي تزويجها هو عمها هو الذي عليه أكثر علماء السير، وهو الصحيح كما قال السهيلي، فإن أباها كان قد مات قبل ذلك.


(١) هي رواية ابن سعد عن الواقدي.
(٢) نفيسة: بضم النون، وفتح الفاء على صورة المصغر. ومنية بضم الميم، وسكون النون، وفتح الياء المثناة، نسبة إلى أمها، وفي بعض الكتاب: بنت أمية وهو أبوها، وهي أخت يعلى الصحابي المشهور.
(٣) مثل يضرب للكفء الكريم، وأصل المثل: أن العرب كانوا إذا وجدوا الفحل- الذكر من الإبل- غير كريم ضربوا أنفه ومنعوه عن الناقة، فإن كان كريما تركوه فذهب مثلا في العرب.
(٤) إعلان الزواج.

<<  <  ج: ص:  >  >>