للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«جاءني جبريل، وأنا نائم بنمط من ديباج «١» فيه كتاب فقال: اقرأ ... » الخ، فظاهر هذا أنه كان مناما.

والمعوّل عليه ما في الصحيحين، وأن ذلك كان في اليقظة لا في المنام، وإن ثبت ما ذكره ابن إسحاق فيكون ما حدث في المنام كان قبل ذلك توطئة لما حدث في اليقظة، ففي مغازي موسى بن عقبة، عن الزهري، عن سعيد بن المسيّب أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لخديجة: «أرأيتك الذي كنت حدثتك أني رأيت في المنام، فإنه جبريل استعلن إلي، أرسله إلي ربي عز وجل وأخبرها بالذي جاءه من الله، وما سمع منه، فقالت: أبشر فو الله لا يفعل الله بك إلا خيرا» «٢» .

[فترة الوحي]

وقد فتر الوحي بعد ذلك فترة، وقد اختلف في مقدارها فقيل: كانت أياما، روى هذا ابن سعد في طبقاته عن ابن عباس، وروي أن أقصاها أربعون يوما، وقيل: ستة أشهر، وقيل: سنتان ونصف، وقيل: ثلاث سنين، ونسب هذا إلى ابن إسحاق، والذي في السيرة لابن هشام عن ابن إسحاق عدم التحديد بمدة «٣» .

والذي أرجّحه وأميل إليه هو الأول، وأن أقصاها أربعون يوما، ويليه القول الثاني، وأما القولان الأخيران فإني أستبعدهما، فالفترة إنما كانت ليسترد النبي صلّى الله عليه وسلّم أنفاسه مما حدث له من ضغط جبريل، وما عراه من الهول والفزع لأول لقاء بين بشر وملك، وليحصل للنبي الشوق إلى لقاء جبريل بعد هذه الفترة.

أما أن يقضي النبي ثلاث سنين أو سنتين ونصف سنة من عمر الدعوة الإسلامية من غير وحي ودعوة فهذا ما لا تقبله العقول، ولا يدل عليه نقل صحيح، وفي هذه الفترة كان النبي يداوم الذهاب إلى حراء، وإلى ما جاوره


(١) بقطعة من حرير فيها كتاب أي شيء مكتوب.
(٢) البداية والنهاية ج ٣ ص ١٣.
(٣) السيرة لابن هشام ج ١ ص ٢٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>