للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من الجبال عسى أن يجد هذا الذي جاءه بحراء حتى وصل جبريل ما انفصم، وعاد الوحي وتتابع.

[رواية موهمة]

وفي بعض روايات صحيح البخاري «١» : «ثم لم ينشب ورقة أن توفي، وفتر الوحي فترة حتى حزن النبي صلّى الله عليه وسلّم- فيما بلغنا «٢» - حزنا غدا منه مرارا كي يتردّى من رؤوس شواهق الجبال، فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي منه نفسه تبدّى له جبريل، فقال: يا محمد إنك رسول الله حقا، فيسكن لذلك جأشه، وتقر نفسه، فيرجع، فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك، فإذا أوفى بذروة جبل تبدّى له جبريل فقال له مثل ذلك» .

وهذه الرواية ليست على شرط الصحيح لأنها من البلاغات، وهي من قبيل المنقطع، والمنقطع من أنواع الضعيف، والبخاري لا يخرج إلا الأحاديث المسندة المتصلة برواية العدول الضابطين، ولعل البخاري ذكرها لينبهنا إلى مخالفتها لما صح عنده من حديث بدء الوحي، الذي لم تذكر فيه هذه الزيادة.

ولو أن هذه الرواية كانت صحيحة لأوّلناها تأويلا مقبولا، أما وهي على هذه الحالة فلا نكلف أنفسنا عناء البحث عن مخرج لها.

وأيضا فإن ما استفاض من سيرته صلّى الله عليه وسلّم يرد ذلك، فقد حدثت له حالات أثناء الدعوة إلى ربه أشد وأقسى من هذه الحالة، فما فكر في الانتحار بأن يلقي نفسه من شاهق جبل أو يبخع نفسه، وسترى فيما يأتي أنه لما عرض عليه عمه أن يكف عن قريش، ويبقي عليه وعلى نفسه، وكان عمه هو ناصره الوحيد من


(١) كتاب التعبير- باب أول ما بدىء به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الوحي الرؤيا الصادقة.
(٢) قال الحافظ في الفتح: «ثم إن القائل فيما بلغنا هو الزهري، ومعنى الكلام أن في جملة ما وصل إلينا من خبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في هذه القصة، وهو من بلاغات الزهري وليس موصولا» قال الكرماني: وهذا هو الظاهر، ويحتمل أن يكون بلغه بالإسناد المذكور (فتح الباري ج ١٦ ص ١٢ ط الحلبي) .

<<  <  ج: ص:  >  >>