للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

محرّفة، مبدّلة، فغير معقول أن تكون مصدرا لما جاء به النبي صلّى الله عليه وسلّم من عقيدة صحيحة، وتوحيد خالص لله.

والنصارى الذين كانوا في مكة كانوا خدما أو صنّاعا، ولم يكونوا من أهل العلم والمعرفة حتى يأخذ النبي عنهم، ولما ادّعى بعض المشركين مثل هذه الدعوى، وزعموا أن النبي تعلم من (جبر) الرومي النصراني رد الله عليهم بقوله: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ، لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ، وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ «١» .

وإذا ثبت بطلان المقدمات التي ذكروها ثبت بطلان ما أدّت إليه من نتيجة.

ثم إنّ فكرة الوحي النفسي كما صوّروه مبنية على وجود معلومات وأفكار مدّخرة في العقل الباطن وأنها تظهر في صورة رؤى، ثم تقوى فيخيّل إلى صاحبها أنها حقائق خارجية، فهل كان الدين الذي جاء به نبينا محمد بعقائده وتشريعاته: في العبادات والمعاملات، والحدود والجنائيات، والاقتصاد والسياسة والأخلاق والاداب مركوزا مدّخرا في نفس النبي؟!.

هذا ما تنكره العقول بداهة لأن ما جاء به النبي في العقائد يعتبر مناقضا لكل ما كان سائدا في العالم حينئذ من عقائد كالوثنية، والمجوسية، والثنوية «٢» ، والتأليه، والتثليث والصلب، وإنكار البعث واليوم الاخر، وكذلك جاء النبي بتشريعات لم تأت بها شريعة أخرى، واشتمل القران على أسرار في الكون والأنفس ما كانت تخطر على بال بشرقط، ولم يظهر تأويلها إلا بعد تقدم العلوم في العصر الحديث، فكيف تكون هذه الأسرار والعلوم من داخل نفس النبي صلّى الله عليه وسلّم؟!

وأيضا فإن الوحي قد انقطع فترة بعد نزول صدر سورة «اقرأ» فكيف سكت النبي طوال هذه المدة، وهو هو صاحب العقل الباطن المملوء بالمعارف، والوجدان الملتهب، والنفس المتوثبة للإصلاح؟!!


(١) الاية ١٠٣ من سورة النحل.
(٢) الذين يقولون بإله الخير وإله الشر، أو إله النور وإله الظلمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>