للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووطىء أبو بكر، وضرب ضربا مبرّحا، وجعل عتبة بن ربيعة يضربه بنعلين مخصوفتين، ويحرفهما لوجهه حتى فقد وعيه، فحمله بنو تيم إلى منزله، وقالوا:

لئن مات أبو بكر لنقتلن عتبة بن ربيعة، وجعل أبو قحافة والد الصديق وقومه يكلمونه حتى أفاق، وأجاب اخر النهار «١» .

فماذا كان من أبي بكر وقد أفاق؟ لقد كان أول ما قال: ما فعل رسول الله؟ فمسّوه بألسنتهم وعذلوه، فلما خلت به أمه قال لها: ما فعل رسول الله؟ فقالت: والله ما لي علم بصاحبك، فقال: اذهبي إلى أم جميل بنت الخطاب فاسأليها عنه- وكانت تخفي إسلامها- فذهبت إليها وقالت: إن أبا بكر يسألك عن صاحبه محمد بن عبد الله؟ فقالت: ما أعرف أبا بكر، ولا محمد بن عبد الله!! وإن كنت تحبين أن أذهب معك إلى ابنك فعلت، قالت:

نعم، فمضت معها حتى وجدت أبا بكر صريعا، دنفا، فدنت منه أم جميل، وصاحت قائلة: والله إن قوما نالوا منك هذا لأهل فسق وكفر، وإني لأرجو أن ينتقم الله لك منهم، قال: فما فعل رسول الله؟ قالت: هذه أمك تسمع؛ قال:

فلا شيء عليك منها، قالت: سالم صالح! قال: أين هو؟ قالت: في دار الأرقم، قال: فإن لله عليّ ألاأذوق طعاما، ولا أشرب شرابا، أو اتي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

فأمهلتاه حتى إذا هدأت الرجل «٢» ، وسكن الناس خرجتا به يتكىء عليهما، حتى أدخلتاه على رسول الله، فأكب عليه رسول الله فقبله، وقبله المسلمون، ورقّ له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رقة شديدة، فقال: بأبي أنت وأمي ليس بي بأس إلا ما نال الفاسق من وجهي، وهذه أمي برّة بولدها، وأنت مبارك، فادعها إلى الله، وادع لها عسى الله أن يستنقذها بك من النار، فدعا لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ودعاها إلى الله، فأسلمت «٣» .


(١) في القاموس: النعل ذات الطراق، وكل طراق خصفة، وخصف النعل يخصفها خرزها، فهي إما مرقعة أو جعل جلدها طبقة فوق طبقة، فهي الم وأوجع.
(٢) أي قلّ السائرون في الطريق.
(٣) البداية والنهاية، ج ٣ ص ٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>