للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما رأينا مثل صبرنا على هذا الرجل قط: سفّه أحلامنا، وشتم اباءنا، وعاب ديننا، وفرّق جماعتنا، وسب الهتنا، وصرنا منه على أمر عظيم، فبينما هم في ذلك طلع رسول الله، فأقبل يمشي حتى استلم الركن، ثم مرّ بهم طائفا بالبيت، فغمزوه ببعض القول، فعرف ذلك في وجهه فمضى، فلما مر بهم الثانية غمزوه بمثلها، ثم مرّ بهم الثالثة ففعلوا مثل ذلك، فأقبل عليهم قائلا: «أتسمعون يا معشر قريش؟ أما والذي نفسي بيده لقد جئتكم بالذبح» ، فأخذت القوم كلمته، حتى ما منهم من رجل إلا وكأنما على رأسه طائر وقع، حتى إن أشدهم فيه وصاة بإيذائه ليرفؤه «١» ويلاطفه ويقول له: انصرف أبا القاسم راشدا، فما كنت بجهول!!

وهكذا كان الواحد منهم يأتي إليه قاصدا الشر، أو ينال منه بالسب، فإذا واجهه النبي اضطرب، وتلعثم، وخارت قواه «٢» .

إسلام حمزة بن عبد المطلب «٣»

وكان السبب في ذلك أن أبا جهل مرّ برسول الله صلّى الله عليه وسلّم عند الصفا فاذاه وشتمه، ونال منه بعض ما يكره، فلم يكلمه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكانت هناك مولاة لعبد الله بن جدعان في مسكن لها تسمع ذلك، ثم انصرف عنه، فعمد إلى ناد من قريش، فجلس معهم، فلم يلبث حمزة أن أقبل متوشحا «٤» قوسه راجعا من قنص «٥» له- وكان صاحب قنص يرميه، ويخرج له- وكان إذا رجع من قنصه لم يصل إلى أهله حتى يطوف بالكعبة، وكان إذا فعل ذلك لم يمر على ناد من قريش إلا وقف وسلم، وتحدث معهم، وكان أعزّ فتى في قريش، وأشدهم شكيمة، فلما مرّ بالمولاة قالت له: يا أبا عمارة لو رأيت ما لقي ابن أخيك محمد


(١) ليهدئه ويسكنه.
(٢) السيرة لابن هشام ج ١ ص ٢٨٩، ٣٨٩؛ والبداية والنهاية ج ٣ ص ٤٥، ٤٦.
(٣) قد اختلف في سنة إسلامه، فقيل: سنة ست، وقيل: في السنة الثانية من المبعث، وبه جزم الحافظ في الإصابة.
(٤) متقلدا.
(٥) بفتح القاف والنون: صيد له.

<<  <  ج: ص:  >  >>