للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[طلب أبي طالب إلى النبي الكف عنهم]

فبعث أبو طالب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال له: يا ابن أخي إن قومك قد جاؤوني فقالوا كذا وكذا- الذي قالوه انفا- فأبق عليّ وعلى نفسك، ولا تحمّلني من الأمر ما لا أطيق، فظن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قد بدا لعمه فيه بداء «١» ، وأنه خاذله ومسلمه إليهم، وأنه قد ضعف عن نصرته والقيام معه.

[فماذا كان من النبي؟]

وقفت الدنيا كلها مشدودة السمع إلى ما تفترّ عنه شفتا النبي، وأصاخ الدهر لما يكون منه، ووقف التاريخ ينصت إلى الكلمة التي يتوقف عليها مصير البشرية، وتاريخ الحضارة الإنسانية، فقال الرسول العظيم هذه الكلمة الخالدة، الفاصلة:

«يا عم، والله لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري «٢» ، على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك دونه ما تركته» !!

ثم استعبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبكى، ثم قام وولّى!!

يا لقوة الإيمان، ويا لعظمة النفس البشرية، ويا لجلال البطولة!!

رجل يظن أنه تخلّى عنه ناصره الوحيد من أهله، وهو وأصحابه في غمرات متتابعة من الأذى والبلاء وتألب رؤساء الشرك عليه، والريح والقوة مع


(١) ظهر له أمر.
(٢) قال الإمام السهيلي في «الروض الأنف» : خصّ الشمس باليمين لأنها الاية المبصرة، وخص القمر بالشمال لأنها الاية الممحوة، وقد قال عمر- رضي الله عنه- لرجل قال له: إني رأيت الشمس والقمر يقتتلان، ومع كل منهما نجوم، فقال عمر: مع أيهما كنت؟ قال: كنت مع القمر قال: كنت مع الاية الممحوة، اذهب فلا تعمل لي عملا، وكان عاملا له فعزله، وخص رسول الله صلّى الله عليه وسلّم النيّرين حين ضرب المثل بهما لأن نورهما محسوس، والنور الذي جاء به من عند الله معنوي. وأنا أقول: ولأنهما أعز وأمنع ما يطمع فيهما طامع، أو يرجو الحصول عليهما بشر في هذه الحياة، بل الحصول عليهما في اليدين من ضروب المستحيلات وبذلك بلغ غاية الإفصاح عن استحالة تركه الدعوة حتى يظهرها الله سبحانه، أو يموت دون ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>