للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

له بحيلة بعد، قد كان محمد فيكم غلاما حدثا أرضاكم فيكم، وأصدقكم حديثا، وأعظمكم أمانة، حتى إذا رأيتم في صدغيه الشيب، وجاءكم بما جاءكم به قلتم: ساحر!! لا والله ما هو بساحر، لقد رأينا السحرة: نفثهم وعقدهم «١» وقلتم: كاهن، لا والله ما هو بكاهن، وقد رأينا الكهنة وتخالجهم، وسمعنا سجعهم، وقلتم: شاعر، لا والله ما هو بشاعر؛ وقد رأينا الشعر، وسمعنا أصنافه كلها هزجه ورجزه، وقلتم: مجنون، لا والله ما هو بمجنون، لقد رأينا الجنون، فما هو بخنقه، ولا وسوسته، ولا تخليطه، يا معشر قريش، فانظروا في شأنكم، فإنه- والله- قد نزل بكم أمر عظيم «٢» .

وكأنه كان يرى هذا ويعتقده، ثم انجرف في تيار معاداة الرسول، وغلبت عليه شقوته، فصار يتعقّب الرسول ويقول فيه ما قال!!

[أمية بن خلف وهمزه للرسول]

وكان أمية بن خلف بن وهب بن حذافة السهمي إذا رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم همزه، ولمزه، فأنزل الله تعالى فيه:

وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ «٣» (١) الَّذِي جَمَعَ مالًا وَعَدَّدَهُ (٢) يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ (٣) كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ «٤» (٤) وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ (٥) نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (٦) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ «٥» (٧) إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (٨) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (٩) «٦» .


(١) النفث النفخ مع ريق قليل، وعقدهم: بفتح العين وسكون القاف، أو بضم العين وفتح القاف جمع عقدة وهي التي يعقد الساحر في الخيط، وينفث فيها بشيء يقوله، وفي الكتاب الكريم: وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ أي السواحر.
(٢) السيرة ج ١ ص ٢٩٩- ٣٠٠.
(٣) همزة، لمزة: بضم أولهما وفتح ثانيهما: كثير الهمز واللمز، وهو الذي يعيب الناس، ويغتابهم، ويؤذيهم بلسانه وجوارحه.
(٤) سميت النار حطمة: لأنها تحطم وتأتي على كل ما فيها.
(٥) تطّلع: تظهر وتعلو على القلوب باتقادها وشدة لهبها.
(٦) جعلها كالسرادق المقام على عمد قوية، المطبق على من فيه، فلا يستطيعون منه هربا ولا خروجا.

<<  <  ج: ص:  >  >>