للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[استهزاؤهم بالرسول]

ومر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالوليد بن المغيرة، وأمية بن خلف، وأبي جهل بن هشام، فهمزوه واستهزؤوا به، فغاظه ذلك، فأنزل الله عليه مسليا ومواسيا، ومنددا بهم ومنذرا قوله تعالى:

وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (١٠) «١» .

ولم يعبأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بكل هذا، بل مضى إلى سبيله يدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وما زاده الإسراف في الإيذاء والاستهزاء إلا إصرارا على الدعوة.

[ما نزل بالمسلمين ولا سيما المستضعفين من البلاء والفتنة]

لا يكاد التاريخ يعرف قوما ابتلوا بألوان البلاء، وفتنوا أشد الفتنة مثل ما عرف ذلك لأصحاب نبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم، فقد عذّبوا عذابا تنوء به الجبال، وأوذوا في سبيل عقيدتهم ودينهم أشد الإيذاء، ولا سيما الأعبد والضعفاء منهم، وليس هذا بعجيب من قوم خالطت قلوبهم بشاشة الإيمان، من أول يوم اعتنقوا فيه الإسلام، وتوالت عليهم ايات الوحي والمواعظ النبوية صباح مساء، وأخذهم النبي صلّى الله عليه وسلّم بأساليبه الحكيمة في التربية والتهذيب، وكان لهم القدوة الحسنة في الثبات والصبر، والتحمل، والاستهانة بكل لأواء الحياة، والامها، ومرّها، في سبيل العقيدة والغاية الشريفة.

ولم يكن هؤلاء السادة يبغون من إيمانهم ملكا، أو جاها، أو مالا،


- له، وقد ردّ الله على العاص مقالته، أي هو الأبتر، لا أنت يا رسول الله؛ لأن كل من يولد إلى يوم القيامة فهم أولادك، وأعقابك، وأنت أب لهم، وذكرك مرفوع على المنابر والماذن، وعلى لسان كل عالم، ومصلّ، وذاكر إلى اخر الدهر، ذلك وفي الاخرة ما لا يدخل تحت الوصف، وإنما الأبتر هو شانئك المنسي في الدنيا والاخرة.
(١) الاية ١٠ من سورة الأنعام.

<<  <  ج: ص:  >  >>