للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأمة، والوزير الأول لرسول الله أبو بكر بن أبي قحافة- رضي الله عنه وأرضاه- ومن هؤلاء السادة الذين أعتقهم:

بلال بن رباح: وقد قدّمنا طرفا من قصته، وإذا علمت أن الغلام الذي أعطاه سيدنا أبو بكر كان يسمى: (نسطاس) ويقال: كان صاحب عشرة الاف دينار، وغلمان، وجوار، ومواش- أدركت عظم الفداء الذي فدى به الصديق أبو بكر بلالا، ولا تعجب إذا كان الفاروق عمر قال هذه القولة التي تدل على عظم منزلة الفادي والمفدى: «أبو بكر سيدنا، وأعتق سيدنا» يريد بلالا، رواه البخاري في صحيحه.

ومن موالي الصديق: أبو فكيهة اشتراه وأعتقه، وعامر بن فهيرة اشتراه وأعتقه لوجه الله.

ومن الإماء اللاتي اشتراهنّ وأعتقهن لله: حمامة أم بلال، وأم عنيس وزنّيرة، وجارية بني المؤمل، والنهدية وابنتها، وكانتا لامرأة من بني عبد الدار، فمر بهما، وقد بعثتهما سيدتهما بطحين لها «١» وهي تقول: والله لا أعتقكما أبدا، وتتوعدهما، فقال الصدّيق: حل «٢» يا أم فلان، فقالت حل. أنت أفسدتهما، فأعتقهما، قال: فبكم هما؟ قالت: بكذا وكذا. قال قد أخذتهما وهما حرتان، أرجعا إليها طحينها، قالتا: أو نفرغ منه يا أبا بكر، ثم نرده إليها؟ قال:

وذلك إن شئتما.

وإن لنا هنا لوقفة ترينا كيف سوى الإسلام بين الصدّيق والجاريتين حتى خاطبتاه خطاب الند للند، لا خطاب المسود للسيد، وتقبّل الصديق- على شرفه وجلالته في الجاهلية والإسلام- منهما ذلك، مع أن له يدا عليهما بالعتق، وكيف صقل الإسلام الجاريتين حتى تخلقتا بهذا الخلق الكريم، وكان يمكنهما وقد أعتقتا وتحررتا من الظلم أن تدعا لها طحينها يذهب أدراج الرياح، أو يأكله


(١) بحب ليطحن.
(٢) أي تحللي من يمينك واستثني فيه، وأكثر ما تقوله العرب بالفتح.

<<  <  ج: ص:  >  >>