للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صلاتهم بالمسجد الحرام حصلت مهادنة بين قريش والمسلمين، ثم لم تلبث قريش أن جن جنونها لما رأت تزايد المسلمين كل يوم وثباتهم على دينهم وعقيدتهم، فعادت إلى ما كانت أولا من ابتلاء للمسلمين وتعذيبهم.

وكان نمي إلى المسلمين بالحبشة خبر هذه المهادنة، كما بلغهم إسلام عمر رضي الله تعالى عنه، هذا إلى أنه كانت قد قامت ثورة ضد النجاشي في ملكه «١» ، فخشي المسلمون أن يصاب بهزيمة، وربما يأتي ملك لا يعرف للمسلمين حقهم كما كان النجاشي أصحمة يعرف ذلك.

لذلك رأى مهاجرة الحبشة، أو معظمهم الرجوع إلى موطنهم «مكة» «٢» ، فلما وصلوا وجدوا الأمر على غير ما سمعوا، وأن البلاء ما زال قائما، بل وعادت الفتنة إلى أشد مما كانت، فدخل من دخل منهم مكة بجوار أو مستخفيا، ومنهم من عاد من حيث أتى.

[من دخل في جوار]

وكان ممن دخل في جوار عثمان بن مظعون رضي الله تعالى عنه، فقد دخل في جوار الوليد بن المغيرة، ولما رأى عثمان ما فيه أصحاب رسول الله من البلاء وهو يغدو ويروح في أمان الوليد تألّم وأسف، ولم يسعه ضميره أن يعيش امنا في جوار رجل مشرك وأهل دينه يلقون من البلاء والأذى في الله ما لا يصيبه، فمشى إلى الوليد بن المغيرة فقال له: يا أبا عبد شمس، وفّت ذمتك قد رددت إليك جوارك، قال له: لم يا ابن أخي؟ لعله اذاك أحد من قومي؟

قال: لا، ولكني أرضى بجوار الله، ولا أريد أن أستجير بغيره.

قال: فانطلق إلى المسجد فاردد إليّ جواري علانية كما أجرتك علانية،


(١) انظر أخبار هذه الثورة وما جرى فيها من حروب في السيرة لابن هشام جزء ١ من ص ٣٢٨- ٣٤١.
(٢) قيل: كان ذلك في شوال سنة خمس من النبوة، وقيل كان في السنة السادسة، وذلك على حسب الخلاف في إسلام سيدنا عمر، فإن الراجح أن إسلامه كان من الأسباب القوية لعودتهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>