للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للنبي صلّى الله عليه وسلّم: ما أغنيت عن عمك؟ فو الله كان يحوطك، ويغضب لك، قال:

«هو في ضحضاح «١» من نار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار» «٢» .

وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري أنه صلّى الله عليه وسلّم قال- وذكر عنده عمه أبو طالب-: «لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة، فيجعل في ضحضاح من النار يبلغ كعبيه، فيغلي منه دماغه» وهي نوع من شفاعاته صلّى الله عليه وسلّم بتخفيف العذاب عمن يستحقه، ولو كان من المخلّدين فيه.

[نيل المشركين من الرسول بعد وفاة أبي طالب]

ولما مات أبو طالب نالت قريش من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الأذى ما لم تكن تطمع فيه في حياة أبي طالب، حتى اعترضه سفيه من سفهاء قريش، فنثر على رأسه ترابا، فدخل رسول الله بيته، والتراب على رأسه، فقامت إليه إحدى بناته فجعلت تزيل عنه التراب وهي تبكي، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول لها: «لا تبكي يا بنية؛ فإن الله مانع أباك» .

وكان يقول: «ما نالت مني قريش شيئا أكرهه حتى مات أبو طالب» بل كان بعض جيرانه من ذوي رحمه يأتي بالقذر فيطرحه في برمته، أو في فناء داره، فيأخذه على العود فيقف به على بابه، ثم يقول: «يا بني عبد مناف أي جوار هذا» ؟! ثم يلقيه في الطريق.

ومع كل هذا فقد مضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لدعوته لا يلوي على شيء، ولا يصده إيذاء مهما بلغ، وكان يمكنه أن يدعو عليهم، فيهلكهم الله، ولكن كان كثيرا ما يقول: «اللهم اهد قومي، فإنهم لا يعلمون» .

[ثانيا: موت السيدة خديجة رضي الله عنها]

أما الحادث الثاني الذي ترك حزنا عميقا في نفس النبي فهو موت السيدة الجليلة المهيبة في قومها خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزّى، وكانت له


(١) الضحضاح من الماء: ما يبلغ الكعبين، وقد استعير للقليل من النار.
(٢) صحيح البخاري- باب ما ورد في أبي طالب.

<<  <  ج: ص:  >  >>