للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طريق الخير والفضل والجمال والحق في مغالبتها وتغلبها على الشر والنقص، والقبح والباطل بفضل من الله ومغفرة.

وليس بمستطيع هذا السمو إلا قوة فوق ما تعرف الطبائع الإنسانية، فإذا جاء بعد ذلك ممن اتبعوا محمدا من عجز عن متابعته في سمو فكرته، وقوة إحاطته بواحدة الكون في كماله، وفي جهاده لبلوغ هذا الكمال فلا عجب في ذلك، ولا عيب فيه، والممتازون من الناس، والموهوبون منهم درجات، وبلوغنا الحقيقة معرض دائما لهذه الحدود التي تعجز قوانا عن تخطيها ...

«والإسراء بالروح هو في معناه كالإسراء والمعراج بالروح جميعا سموا وجمالا، وجلالا، فهو تصوير قوي للواحدة الروحية من أزل الوجود إلى أبده، فهذا التعريج على جبل سيناء حيث كلّم الله موسى تكليما، وعلى بيت لحم حيث ولد عيسى، وهذا الاجتماع الروحي ضمت الصلاة فيه محمدا، وعيسى، وموسى، وإبراهيم مظهر قوي لواحدة الحياة الدينية على أنها من قوام واحدة الكون في موره الدائم إلى الكمال ... » إلى اخر ما قال «١» .

[مناقشة للدكتور هيكل]

إن فكرة واحدة الوجود فكرة خاطئة وافدة إلى الإسلام فيما وفد إليه من اراء فاسدة لا يشهد لها عقل ولا نقل، وهي من مخلّفات الفلسفات القديمة، وفيها ما فيها من أخطاء وأباطيل، وقد انتصر لها وتشيع بعض المتصوفة الذين ينتسبون إلى الإسلام، وكتبوا فيها فكان عاقبتهم الإلحاد في الله وصفاته.

وقد أبان بطلانها كثير من علماء الأمة الراسخين في العلم، المتثبتين في العقيدة، والقول بها يؤدي إلى القول بالطبيعة، وقدم العالم، وإنكار الألوهية، وهدم الشرائع السماوية التي قامت على أساس التفرقة بين الخالق والمخلوق، وبين وجود الرب، ووجود العبد، وتكليف الخالق للخلق بما يحقق لهم السعادة، ومقتضى هذا المذهب أن الوجود واحد، فليس هناك خالق ومخلوق، ولا عابد


(١) «حياة محمد» ص ١٨٩، ١٩٠ ط ثانية.

<<  <  ج: ص:  >  >>