للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منازلهم فلم يقبلوا منه ما عرض عليهم، وأتى بني حنيفة في منازلهم فدعاهم إلى الله، وعرض عليهم نفسه، فلم يكن أحد من العرب أقبح ردا عليه منهم، وأتى بني عامر بن صعصعة فدعاهم إلى الله وعرض عليهم نفسه، فقال له رجل منهم يقال له بيحرة «١» بن فراس، والله لو أني أخذت هذا الفتى من قريش لأكلت به العرب، ثم قال له: أرأيت إن نحن بايعناك على أمرك، ثم أظهرك الله على من يخالفك أيكون لنا الأمر من بعدك؛ فقال له رسول الله: «الأمر لله يضعه حيث شاء» ، فقال الرجل: أفنهدف نحورنا للعرب دونك فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا؟ لا حاجة لنا بأمرك.

فلما صدر الناس رجعت بنو عامر إلى شيخ لهم مجرب كان قد أدركه السن، فحدثوه بخبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وما قالوه له، فوضع يده على رأسه متأسفا على ما فاتهم من فضل اتباعه وإيوائه، وأقسم لهم بأنه ما تقوّلها «٢» إسماعيلي قط، يعني أحد من ولد إسماعيل «٣» .

[من دلائل النبوة]

وما كان لنا أن نمر بهذه القصة دون أن نعلّق عليها ففيها دلالة قوية على صدقه صلّى الله عليه وسلّم، فلو كان طالب ملك، أو جاه، أو يتجر بالمبادىء يصنع كما يصنع دهاقين السياسة في القديم والحديث من استمالة الناس بالأحاديث الكاذبة والوعود الخادعة البراقة، ويمنّيهم الأماني الفارغة حتى إذا تم له ما أراد نسي ما قال، ورجع في وعوده، بل قد يتنكر لهم، ويسفّه عليهم، وينكل بهم، وهذا فرق ما بين النبوة وغيرها، وما بين الداعي إلى الحق وطالب الدنيا.

[استمرار الرسول في العرض]

ولم ييأس النبي صلّى الله عليه وسلّم، وما كان له أن ييأس، واستمر يغشى القبائل


(١) هكذا في السيرة بباء مفتوحة، وياء ساكنة، وفي البداية والنهاية نقلا عن ابن إسحاق بحيرة.
(٢) ما تقوّلها: يعني النبوة.
(٣) السيرة ج ١ ص ٤٢٢- ٤٢٥؛ البداية والنهاية ج ٣ ص ١٣٨- ١٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>