للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأخذ البراء بن معرور بيده ثم قال: والذي بعثك بالحق نبيّا لنمنعنّك مما نمنع منه أزرنا «١» ، فبايعنا يا رسول الله، فنحن- والله- أبناء الحروب، وأهل الحلقة «٢» ورثناها كابرا عن كابر، وكانت وصاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لهم أن يوجزوا في القول، فقد روى البيهقي أنه قال: «ليتكلم متكلمكم ولا يطل الخطبة فإن عليكم من المشركين عينا، وإن يعلموا بكم يفضحوكم» .

وإنه لتوجيه كريم يدل على بعد النظر، وأصالة الرأي، وحسن التدبير في هذا الاجتماع الخطير.

مقالة أبي الهيثم بن التّيّهان

ولما فرغ البراء بن معرور من مقالته قام أبو الهيثم بن التيهان فقال:

يا رسول الله، إن بيننا وبين الرجال حبالا «٣» إنا قاطعوها، فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟ فتبسم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثم قال: «بل الدم الدم والهدم الهدم «٤» ، أنا منكم وأنتم مني، أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم» وقد وفى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بما قال بل وبأكثر مما قال، فقد عرف للأنصار فضلهم وسابقتهم، وأوصى بهم خيرا.

[مقالة أسعد بن زرارة]

وكان ممن تكلم أيضا السيد الجليل أسعد بن زرارة فقال: سل يا محمد


(١) جمع إزار، أي نساءنا، والمرأة قد يكنى عنها بالإزار لأنها تحمى كما يحمى الإزار، أو المراد أنفسنا، وقد يعبر عن النفس بالإزار والثوب، ففي الكتاب الكريم: وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ قال بعض المفسرين: ونفسك فطهر، وقال عنترة العبسي:
فشككت بالرمح الأصمّ ثيابه ... ليس الكريم على القنا بمحرّم
أي نفسه وذاته. فيجوز أن يراد به أيّ المعنيين.
(٢) السلاح.
(٣) عهودا والمراد ما كان بينهم وبين اليهود بالمدينة.
(٤) كانت العرب تقولها عند عقد الحلف والجوار، أي ما هدمت من الدماء هدمت أنا أي أهدرت، وفسر ابن عباس الهدم بالحرمة يعني ذمتي ذمتكم وحرمتي حرمتكم، فالعبارة تفيد المبالغة في الوفاء بالعهد.

<<  <  ج: ص:  >  >>