للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكيف لا تكون من رياض الجنة والعبادة فيها مما يقرّب صاحبها من الجنة، ويباعد بينه وبين النار، فالأعمال فيها ثوابها مضاعف، والدعاء فيها مرجو الإجابة، وبجوارها أشرف بقعة ضمّت أشرف جسمان على وجه الأرض، وطالما صلّى فيها النبي في حياته وقام، وكثيرا ما وعظ فيها وذكّر، وبشّر وأنذر، وشهدت من أحداث الإسلام وسياسته ما شهدت، والجالس فيها يشعر بروحانية صافية، وراحة نفسية، وإشراقة قلب، وانشراح صدر، وينسى فيها بؤس الحياة والامها، ويغمره إيمان بصاحب الرسالة وحب يصلان به إلى حظيرة القدس.

وذهب الإمام مالك وأصحابه إلى تفضيل مسجد المدينة على مسجد مكة؛ لأن ذاك بناه الخليل إبراهيم، وهذا بناه نبينا محمد.

والحق ما ذهب إليه جمهور العلماء من تفضيل المسجد الحرام، لأنه في بلد حرّمه الله يوم خلق السماوات والأرض، وحرّمه الخليل وحرمه نبينا، وجعل الصلاة فيه أفضل من الصلاة في المسجد النبوي، وجعل حجه فرضا مفروضا، ومن دخله كان امنا، وفضيلته قد شهد بها التنزيل وصدق الله:

إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ «١» مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ (٩٦) فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (٩٧) «٢» .

[بناء حجر أمهات المؤمنين]

وبني لرسول الله صلى الله عليه وسلم حجر حول مسجده الشريف، لتكون مساكن له ولأهله، ولم تكن الحجر كبيوت الملوك والأكاسرة والقياصرة، بل كانت بيوت من ترفّع عن الدنيا وزخارفها، وابتغى الدار الاخرة، فقد كانت كمسجده مبنية من اللبن والطين وبعض الحجارة، وكانت سقوفها من جذوع النخل والجريد،


(١) بكة هي مكة بلد الله الحرام بإبدال الميم باء، سميت بذلك لأنها تبك أعناق الجبابرة الذين يلحدون فيها بظلم، وقيل لأن الناس يجتمعون فيها ويتزاحمون للطواف والسعي.
(٢) ال عمران: الايتان ٩٦، ٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>