للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

روى البخاري في صحيحه عن عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اخى بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري، فجاء سعد فعرض عليه أن يقاسمه ماله، وقال له: انظر أيّ زوجتيّ أحب إليك أتنازل لك عنها حتى إذا ما انتهت عدتها تزوجتها. فأبى عبد الرحمن وقال له: بارك الله لك في أهلك ومالك، ولكن دلّني على السوق، فدلّه على السوق، فباع وابتاع حتى صار له مال، وتزوج امرأة من الأنصار بوزن نواة من ذهب، فقال له النبي: «أولم ولو بشاة» » .

وهكذا ضرب سعد بن الربيع مثلا فريدا في الإيثار، وضرب عبد الرحمن بن عوف مثلا عاليا لعزة النفس والرغبة في العمل والاكتساب، وقد فتحت عليه الدنيا بعد، فما توفي إلا وهو أثرى الأثرياء.

وما سعد بن الربيع إلا صورة مشرقة ومثلا من أمثلة الأنصار الكرام.

ويبالغ الأنصار في الإيثار والعمل على مقتضى هذه الأخوة، فيأتون إلى النبي صلوات الله وسلامه عليه فيقولون: (اقسم بيننا وبين إخواننا النخيل) .

فيقول لهم النبي: «لا» ، فقالوا لإخوانهم المهاجرين: تكفونا المؤونة- يعني السقي والعمل- ونشرككم في الثمرة، فقالوا: (سمعنا وأطعنا) رواه البخاري في صحيحه. وروى أيضا عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (دعا النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار إلى أن يقطع لهم البحرين. فقالوا: إلا أن تقطع لإخواننا من المهاجرين مثلها) قال: «إما لا «٢» ، فاصبروا حتى تلقوني، إنه سيصيبكم بعدي أثرة» «٣» .


(١) صحيح البخاري باب: «كيف اخى النبي بين أصحابه» .
(٢) إمالا: هي إن الشرطية المدغمة في (ما) الزائدة، ولا نافية، وفعل الشرط محذوف تقديره: تقبلوا.
(٣) أثرة: على وزن قصبة أي استئثار بالأموال دونهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>